وفي اليوم التّالي حين قبّل فلك النّجوم- كعادة العبيد- أعتاب ملك العالم، ظهرت الأعلام الحمراء والصفراء في آفاق الميدان برفقة أولئك الجند من تماسيح القتال، فتحرّك الحشد كله، بينما ركب السلطان/ الفاتح حصانا يشبه مسيره مسير ريح الصّبا في تلك السّهول الرّائعة، وقد أثّر حرّ الهاجرة في أنصار العساكر المهاجرة، وأخذت نفوس الشّجعان تجفّ في الحلوق، فانطلقوا جميعا إلى المناهل والعيون، والأنهار الجارية في تلك المروج.
أما السلطان فإنه لم يلتفت إلى المياه والجيش- لنيّة قد عقدها في نفسه ولأنه قد روي إلى الأبد بشربة «أبيت» (?)، وإنّما صعد فوق جبل هو أعلى من همّة الأسخياء وقامة الحسناء، وجال بنظره هنا وهناك، فرأى الصحراء والوديان مشحونة كلها بجند العدوّ وكانوا قد نصبوا خياما في خيام، وتزاحموا تزاحم النّمل والجراد. فهجم عليه جماعة من شجعان الحرب، فخرج إليهم نحو ألف فارس منهم، وبدأت حركة هائلة من الكرّ والفرّ، ولو لم تحجب أستار الظّلام بينهم لما بقي أحد من الجانبين حيّا. وعادت كل فرقة إلى موقعها.
وظلّوا طوال الليل في التدبير والترتيب للمقارعة والنزاع وتثقيف اليراع، والرّهف لتحقيق إرهاق شعاع [الحسام] (?)، وقضى السلطان عظيم الشّان في تلك الليلة وطرا، وبعد تجديد الغسل، دخل في صلاة يناجي ذا الجلال، وأخذ يدعو ب «يا» بلغة بغير لسان في خلوة القرب اللامكاني ويطلب المدد.