لم تسمعنا. فلمّا رآهم غير موقلين عنه رفع عقيرته وغنّى بهذه الأبيات:

محجوبةٌ سمعت صوتي فأرقها ... في آخر الليل حتّى ملّها السّهر

لم يحجب الصّوت أجراسٌ ولا غلقٌ ... فدمعها لطوق الصّوت ينحدر

في ليلة البدر لا يدري مضاجعها، ... أوجهها عنده أضوا، أم القمر

لو خلّيت لمشت نحوي على قدم ... يكاد من لينه للمشي ينفطر

قال فلمّا سمعت الذّلفاء صوت يسارٍ خرجت إلى صحن الفسطاط تسمع الصّوت، فجعلت لا تسمع شيئاً من خلقٍ، ولطافة قطٍّ، إلاّ الذي وافق المعنى. ومن نعت الليل واستماع الصّوت إلاّ رأت ذلك كلّه في نفسها، فحرّك ذلك ساكناً كان في قلبها فهملت عيناها، وعلا نشيجها. فانتبه سليمان فلم يجدها معه في الفسطاط فخرج إلى صحنه فرآها على تلك الحال، فقال لها: ما هذا يا ذلفاء؟ فقالت: يا أمير المؤمنين:

ألا ربّ صوتٍ رائعٍ من مشوّهٍ ... قبيح المحيّا واضع الأب والجد

يروّعك منه صوته ولعلّه ... إلى أمةٍ يعزى معاً وإلى عبد

فقال سليمان: دعيني من هذا، فوالله لقد خامر قلبك منه ما خامر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015