شراؤها على أخي ألف ألف درهمٍ، وهي عاشقةٌ لمولاها الذي باعها منه. والله لا مات إلاّ بحسرتها، ولا فارق الدّنيا إلاّ بغصّتها. وفي الصّبر سلوة، وفي توقّع الموت نهية. قم أبز زيد فأكتم المفاوضة، ويا غلام ثقّل يده ببدرةٍ. قال: فلمّا هلك سعيد بن عبد الملك صارت الجارية إلى أخيه سليمان ولم يكن في عصرها أجمل منها، فملكت قلبه، وغلبت عليه دون سائر جواريه. فخرجا يوماً إلى دهناء الغوطة بموقعٍ يقال له دير الرّهبان فضرب فسطاطه في روضةٍ خضراء مونقة، زهراء ذات حدائق وبهجة، حفّها أنواعٌ الزّهر الغضّ. فمن بين أصفر فاقع، وأبيض ساطع، مثل النّبات تحمل منه الرّيح نسيم المسك الأذفر، ويؤدي تضوّع عرفها فتيت العنبر.

وكان له مغنٍّ يأنس به، ويسكن إليه، ويكثر الخلوة معه، ويستمع حديثه، يقال له يسار. وكان أحسن النّاس وجهاً، وأظرفهم ظرفاً. فأمر بضرب فسطاطةٍ بالقرب منه وكانت الذّلفاء قد خرجت مع سليمان إلى ذلك المنتزه. فلم يزل يسار يومه ذلك عند سليمان في أكمل سرورٍ، وأتمّ حبورٍ، إلى أن أتى الليل وحان انصراف يسارٍ إلى موضعه فوجد جماعةً قد أناخوا به، فسلّموا عليه، فردّ عليهم السّلام جذلان بنزولهم، وفرحٍ بدخولهم. فأحضر الطّعام فأكلوا، وقدم الشّراب فنالوا منه. ثمّ قال: هل من حاجةٍ؟ قالوا: ما جئناك إلاّ للقرى. فقال: بالجانب الخصب نزلتم، وبالمنزل الرّحب حللتم. فقالوا له: أمّا الطّعام فقد أكلنا، وأمّا الشّراب فقد حضر، وبقي السّماع.

قال: أمّا السّماع فلا سبيل إليه مع غيرة أمير المؤمنين ونهيه إيّاي عن الغناء إلاّ ما كان في مجلسه. قالوا: فلا حاجة لنا في الطّعام عندك ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015