الملك وإذا جاريةٌ قد خرجت إلى باب القصر عليها قميصٌ اسكندراني، يبين منه بياض ثدييها، وتدوير سرّتها، ونقش تكتها؛ وفي رجليها نعلاها، قد أشرق بياض قدميها على حمرة نعليها؛ ولها ذؤابةٌ تضرب إلى حقويها وتسيّل كالعثاكيل على منكبيها؛ وطرّةٌ قد أسبلت على جبينها؛ ولها صدغان كأنّهما نونان على وجنتيها، وحاجبان قد تقوّسا على محجري عينيها، وعينان مملوءتان سحراً، وأنفٌ كأنّه قصبة درٍّ، وهي تقول: عباد الله ما الدّواء لما لا يشتكي، والعلاج ممّا ينتمي؟ طال الحجاب، وأبطأ الكتاب. العقل ذاهب، واللبّ عازب، والعين عبرى، والأرق دائم، والوجد موجود، والنّفس والهة، والفؤاد مختلس. فرحم الله قوماً عاشوا تجلّداً، وماتوا تبلّداً: لو كان في الصّبر حيلة، وإلى العزاء وسيلة، لكان أمراً جميلاً!.
فقلت: أيّتها الجارية أنسيّةٌ أنت أم جنّيّة سماويّةٌ أو أرضيّة، فقد أعجبني ذكاء عقلك، وأذهلني حسن منطقك؟ فسترت وجهها بكمّها كأنها لم ترني، وقالت: أعذر أيّها المتكلّم، فما أوحش الوجد بلا مساعد، والمقاساة لصب معاند. ثمّ انصرفت، فوالله يا أمير المؤمنين ما أكلت طيّباً إلاّ غصصت به لذكرها، ولا رأيت حسناً إلاّ سمج في عيني لحسنها. فقال سليمان: أبا زيد كاد الجهل يستفزّني، والصّبا يعاودني، والحلم يغرب عنّي. تلك الذّلفاء التي يقول فيها الشّاعر:
إنّما الذّلفاء ياقوته ... أخرجت من كيس دهقان