يا بني، لا تكثر الغيرة على أهلك من غير ريبةٍ، فترمى بالسّوء من أجلك وإن كانت بريئةً.

وقال بعض الظّرفاء: كنت شديدة الغيرة، فأخبرت بمجيء قبيحةٍ سوداء فذهبت مع إخوان لي عندها ليلةً فطفئ السّراج، فضربت بيدي إلى صدرها فإذا دون يدي أربع أيدٍ، فما أعلم أنّي خطرٌ ببالي امرأةً بعد ذلك.

قال: كان سليمان بن عبد الملك من أشدّ النّاس غيرةً. فحكي أبو زيدٍ الأسدي قال: دخلت على سليمان بن عبد الملك وهو على دكانٍ مبلّطٍ بالرّخام الأحمر، مفروشٌ بالدّيباج الأصفر في وسط بستانٍ قد أينعت ثماره، ورنت أطياره، وأزهر نبت الرّبيع؛ وعلى رأسه وصائف كلّ واحدةٍ أحسن من صاحبتها، فقلت: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. وكان سليمان مطرقاً فرفع رأسه فقال: أبا زيد، في مثل هذا اليوم يصلب أحدٌ حيّاً. فقلت: يا سيّدي، يا أمير المؤمنين، أو قد قامت القيامة؟ قال: نعم على رأس أهل الهوى سرّاً.

ثمّ أطرق رأسه، وقال: أبا زيد ما يطيب في يومنا هذا؟ فقلت: قهوةٌ حمراء، في زجاجةٍ بيضاء، تناولنيها مقدودةٌ هيفاء، مضمومةٌ لفاء دعجاء، أشربها في كفّها، وأمس فمي بفمها: فأطرق سليمان مليّاً ودموعه تنحدر. فلمّا رأى الوصائف ذلك تنحّين عنه فرفع رأسه وقال: يا أبا زيد، حللت والله في يومٍ فيه انقضاء أجلك، وتصرم مدّتك، وفناء عمرك. والله لأضربنّ عنقك أو تخبرني ما الذي أثار هذه الصّفة من قلبك؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، كنت جالساً على باب أخيك سعيد بن عبد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015