تكون خادمةً لإحداهنّ، وهنّ يجنين من نوّار ذلك الزّهر، وينقلبن على ما أعتم من عشبةٍ وزهرة. فلمّا رأيننا تقربن، فسلّمنا عليهنّ. وقالت الجّارية من بينهن: وعليك السّلام، ألست صاحبي آنفاً؟ قلت: بلى، ولكنّ لحبّي كان ذلك. فقلن لها: أو تعرفينه؟ قالت: نعم. فقصّت عليهنّ القصّة كلّها ما كتمت منها حرفاً واحداً.

قلن لها: ويحك، أفما زوّدته شيئاً؟ قالت زوّدته والله موتاً مريحاً، ولحداً ضريحاً. فانبرت لها أنضرهنّ وجهاً، وأرقّهنّ خدّاً، وأرشقهنّ قدّاً، وأبدعهنّ شكلاً، وأكملهنّ عقلاً، فقالت: والله ما أجملت بدءاً، ولا أحسنت عوداً، ولقد أسأت في الرّدّ، ولم تكافئيه بالودّ، وإنّي أحسبه إليك وامقاً، وإلى لقائك تائقاً، فما عليك من إسعافه في هذا المكان ومعك من لا ينمّ عليك. فقالت لها: يا تعساً إلى ما دعوتني، والله لا أفعل من ذلك شيئاً أو تفعلينه وتشركيني في حلوه ومرّه، وخيره وشرّه. فقالت لها: تعساً تلك إذا قسمة ضيزي تعشقين أنت فترهبين، وتوصلين فتقطعين، ويرغب فيك فتزهدين، ويبذل لك الودّ فتمنعين الرّفد، ثمّ تأمريني أن أشاركك فيما يكون منك شهوةً ولذّةً، ومنّي عناءً وسخرةً؟ ما أنصفت في القول، ولا أجملت في الفعل.

قالت أخرى منهنّ: قد أطلتنّ الخطاب في غير قضاء أربٍ؟ فاسألن الرّجل عن قصّته وما في نفسه من بقيّته؟ فلعلّه لغير ما أنتنّ فيه. فقلن: حيّاك الله وأقرّ بك عيناً، من أنت، ومن تكون؟ فقلت: أمّا الاسم فالحسن بن هانئ الحكمي وأنا من شعراء السّلطان الأعظم ومن يتزيّن بمجلسه، ويفتخر بحمده وشكره، ويتّقي لسانه. قصدت لتبريد غلّةٍ، وإطفاء لوعةٍ قد أحرقت الكبد، وأذابت الجسد، ثمّ استبطنت الأحشاء فمنعت من القرار، ووصلت الليل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015