شبّت حجبت عنه، فطال بهما البلاء. فحجّ الوليد بن عبد الملك فبلغه جمال أمّ البنين وأدبها فتزوّجها ونقلها معه إلى الشّام فذهب عقل وضّاح عليها وجعل يذوب وينحل فلمّا طال عليه البلاء وصار إلى الوسواس خرج إلى مكّة حاجاً وقال لعلّي أستعيذ بالله ممّا أنا فيه وأدعو الله فلعلّه يرحمني.
فلمّا قضى حجّه شخص إلى الشّام فجعل يطوف بقصر الوليد بن عبد الملك في كلّ يومٍ لا يجد حيلةً حتّى أرى في يومٍ من الأيّام جاريةً صفراء خارجةً من القصر تمشي فمشى معها ولم يزل بها حتّى أنست به فقال لها: أتعرفين أمّ البنين بموضعي؟ فقالت: عن مولاتي تسأل؟ قال لها: هي ابنة عمّي، وإنّها لتسرّ بموضعي لو أخبرتها، قالت: فأنا أخبرها.
فمضت الجّارية فأخبرت أمّ البنين فقالت لها: ويلك أحيٌّ هو؟ قالت لها: نعم يا مولاتي. قالت لها: إرجعي إليه، وقولي له كن مكانك حتّى يأتيك رسولي، فإنّي لا أدع الاحتيال لك: واحتالت له فأدخلته في صندوق، فمكث عندها حيناً فإذا أمنت أخرجته فقعد معها، وإذا خافت عين رقيب أدخلته في الصّندوق.
وأهدي يوماً لوليد جوهر فقال لبعض خدمه خذ هذا العقد وأمض به إلى أمّ البنين وقل لها: أهدي هذا إلى أمير المؤمنين فوجّه به إليك. فدخل الخادم مفاجأةً ووضّاح معها قاعد فلمحه الخادم، ولم تشعر أمّ البنين، فبادر إلى الصّندوق فدخله.
وأدّى الخادم الرّسالة وقال: هبي لي من هذا الجوهر حجراً واحداً. فقالت له: لا أمّ لك، فما تصنع بهذا. فخرج وهو عليها حنق، فجاء الوليد فأخبره الخبر ووصف له الصّندوق الذي رآه دخله، فقال له: كذبت، لا أمّ لك: ثمّ نهض الوليد مسرعاً فدخل إليها وهي في ذلك البيت وفيه صناديق كثيرة فجاء حتّى جلس على ذلك الصّندوق الذي وصف له الخادم فقال لها: يا أمّ البنين هبي لي صندوقاً من صناديقك هذه؟ قالت: أنا لك يا أمير المؤمنين، وهي لك، فخذ أيّها شئت. قال: ما أريد إلاّّ هذا الذي تحتي. قالت له