فَنَقُولُ: إِسْلَامُ الصَّبِيِّ يَحْصُلُ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ، مُتَّفَقٌ عَلَى بَعْضِهَا، وَمُخْتَلَفٌ فِي بَعْضِهَا:
الْأَوَّلُ: إِسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ إِذَا عَقَلَ الْإِسْلَامَ، فَيَصِحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِمْ.
وَالَّذِينَ قَالُوا بِصِحَّةِ إِسْلَامِهِ قَالُوا: يَصِحُّ بَاطِنًا، وَظَاهِرًا، حَتَّى لَوْ رَجَعَ عَنْهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ عَلَى رُجُوعِهِ كَانَ مُرْتَدًّا، وَمَنْصُوصٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ، وَلِأَصْحَابِهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُوقَفُ إِسْلَامُهُ، فَإِنْ بَلَغَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لَغْوًا، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ هَذَا بِصِحَّةِ إِسْلَامِهِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ إِسْلَامُهُ، حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ، وَيُوَرَّثَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِصْطَخْرِيِّ.
قَالُوا: وَعَلَى هَذَا لَوِ ارْتَدَّ صَحَّتْ رِدَّتُهُ، وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَأَمَّا عَلَى مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ يُقَالُ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ وَأَهْلِهِ الْكُفَّارِ لِئَلَّا يَفْتِنُوهُ، فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ الْكُفْرَ هُدِّدَ وَطُولِبَ بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَصَرَّ رُدَّ إِلَيْهِمْ، وَهَلْ هَذِهِ الْحَيْلُولَةُ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، فَيُتَلَطَّفُ بِوَالِدَيْهِ لِيُؤْخَذَ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَبَيَا فَلَا حَيْلُولَةَ.
هَذَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ، فَقَالَ الْأُسْتَاذُ