الثَّمَنِ ": إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ وَخَرَاجِ أَرْضِهِمْ بِقِيمَتِهَا، ثُمَّ يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ بَيْعَهَا فَأَنْكَرَهُ عُمَرُ، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا إِذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ هُمُ الْمُتَوَلِّينَ بَيْعَهَا ; لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا تَكُونُ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِعُمَرَ: إِنْ عُمَّالَكَ يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ، فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوهَا مِنْهُمْ، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنَ الثَّمَنِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مِنْهُمْ عَنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ وَخَرَاجِ أَرْضِهِمُ احْتِجَاجًا بِقَوْلِ عُمَرَ هَذَا ; وَلِأَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، فَجَازَ أَخْذُ أَثْمَانِهَا مِنْهُمْ كَأَثْمَانِ ثِيَابِهِمْ.
قُلْتُ: وَلَوْ بَذَلُوهَا فِي ثَمَنٍ مَبِيعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ بَدَلٍ مُتْلَفٍ جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهَا وَطَابَتْ لَهُ.
قَالُوا: وَإِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْعَاشِرِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ مَا مَعَهُ أَوْ يَنْقُصُ عَنِ النِّصَابِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ أَخْذَ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ يُعِيدُ لَهُ مَالَ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ، فَيَمْنَعُهُ الدَّيْنُ كَالزَّكَاةِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ مَرَّ بِجَارِيَةٍ فَادَّعَى أَنَّهَا ابْنَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: