وفي الفروع لابن مفلح: (وأما هجر الفاسق فمشروع إذا كان في هجره مصلحة.)

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله (ينبغي على المؤمن أن ينظر في هذه المقامات بنظر الإيمان والشرع والتجرد من الهوى، فإذا كان هجره للمبتدع وبعده عنه لا يترتب عليه شر أعظم فإن هجره حق، وأقل أحواله أن يكون سنة، وهكذا هجر من أعلن المعاصي وأظهرها أقل أحواله أنه سنة، أما إن كان عدم الهجر أصلح لأنه يرى أن دعوة هؤلاء المبتدعين وإرشادهم إلى السنة وتعليمهم ما أوجب الله عليهم يؤثر فيهم ويزيدهم هدى فلا يعجل في الهجر .... انتهى).

وبهذا تعلم أن الأمر يختلف بحسب الحال، وبحسب اجتهاد المرء في تحقيق المصلحة. والمتأمل لحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه-رضي الله عنهم -يجد بعض هذه الصور من المعاملة، فنجده يهجر بعض أصحابه ويعرض عن بعضهم أحياناً حتى يتوب لعلمه بتأثير ذلك فيهم وربما يستقبل بعض ضعفاء الإيمان ويهش في وجوههم لمصلحة يراها في ذلك تأليفاً لهم، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى على بعض أصحابه خاتماً من ذهب فأعرض عنه، فألقاه واتخذ خاتما من حديد فقال: (هذا شر، هذا حلية أهل النار)، فألقاه فاتخذ خاتما من ورق، فسكت عنه. رواه أحمد. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان رجل من الأنصار قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه، صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خرج فرأى قبتك، قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض. الحديث. رواه أبو داود، وصححه الألباني. وكما في هجره لكعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم وقصتهم في الصحيحين, وهنالك من أصحاب المعاصي من لم يهجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه، فو الله ما علمت أنه يحب الله ورسوله".

ولذلك قال ابن مفلح نقلاً عن ابن تيمية -رحمه الله-: واعتبر الشيخ المصلحة في ذلك. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015