حكم هجر الوالدين:

لا يجوز للمسلم أن يهجر والديه مهما بدر منهم إليه من الإساءة، والله تعالى يقول في شأن الوالدين الكافرين اللذين يدعوان إلى الكفر: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) ويقول تعالى في الوالدين عموماً: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)، وأي إساءة أعظم من الهجر, يقول الشيخ ابن باز رحمه الله في أحد فتاويه مُفرَقاً بين هجر الأقارب عموماً وبين هجر الوالدين (وهكذا الرجل إذا كان إخوانه يضرونه أو أعمامه أو أخواله في مجالسهم فلا حرج أن يترك الذهاب إليهم، بل يشرع له ترك الذهاب إليهم وهجرهم، إلا إذا كانت الزيارة يترتب عليها النصيحة والتوجيه وإنكار المنكر؛ هذا طيب، إذا زارهم ينكر عليهم ويعظهم ويخوفهم من الله لعل الله أن يهديهم بأسبابه فهذا مطلوب، مشروع له أن يذهب إليهم للنصيحة والتوجيه، إلا الوالدين، فالوالدان لهما شأن، الوالدان لا، لا يهجر والديه، بل يزور الوالدين ويعتني بالوالدين وينصح الوالدين ولا يهجرهما؛ لأن الله جل وعلا قال - سبحانه وتعالى - في كتابه العظيم في حق الوالدين: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، أُمر أن يصحبهما بالمعروف , وإن جاهداه على الشرك، لعل الله أن يهديهما بأسبابه، لأن حقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات فلا يهجرهما، ولكن يتلطف فيهما، وقد اجتهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه مع أنه مشرك معلن بالشرك، ومع هذا اجتهد إبراهيم في دعوة أبيه عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن الوالدين لهما شأنٌ عظيم فلا يهجرهما الولد، بل يتلطف في نصيحتهما وتوجيههما إلى الخير ... انتهى).

وعلى هذا يتبين لك أخي المسلم أنه يسن هجرة أهل المعاصي في الجملة، ويجب أحياناً ويُكره أحياناً، أما الوالدان، فلهما حق زائد عن بقية الناس، فيهجران في المعاصي التي يفعلانها ويستمر البر بهما في بقية الأوقات، ولا يجوز لك مقاطعة أحدهم بسبب معصيته، إلا أن بعض أهل العلم أجاز هجرهم في حدود ضيقة إذا تعين هجرهم طريقاً لاستصلاحهم فتجوز حينئذٍ، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله): هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟

فأجاب: نعم، إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما، في الطعام والشراب والسكن وغير ذلك. لقاء الباب المفتوح.

حكم هجر الأقارب إيجابياً من أصحاب الكبائر والفواحش الذين لا يزالون مسلمين:

هجر أهل المعاصي والكبائر المجاهرين في الله - حتى ولو كانوا من الأرحام غير الوالدين - من شُعب الإيمان، وذلك أن القرابة لا تمنع من الهجران المشروع , وأهل العلم قرروا أن جفاء المُقيم على معصية لا إثم فيه, وأن هجر الأرحام إذا تم على وجهه الشرعي لم يكن قطيعة للرحم , وأن هجران أصحاب المعاصي والفسق جائز شرعاً, سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو غيرهم باستثناء الوالدين, والأدلة على ما ذهبنا إليه أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ما ذكره أبو داود بعد أن ذكر أحاديث فيها النهي عن هجر المسلم؛ قال: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أربعينَ يَوْماً، وابنُ عُمَرَ هَجَر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015