ومعصيته). وقال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -:
هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا، بل عليه أن يصالح أخاه وأن يُسلِّم عليه إذا لقيه، ومع أنه لا ينبغي ابتداءاً أن يهجر على أمر من أمور الدنيا، ولكن لو حصل شيء من الهجر: فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام، وهذا هو المراد بالحديث: (لا يَحِلُّ لمؤمن أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث) يعني: إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا ... انتهى.
وقال ابنُ حَجَر في الفتح: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلى أنه لا يُسَلَّم على الْمُبتَدِع ولاَ الفاسق. انتهى. وقال أيضا: وقال الْمُهَلب: تَرْكُ السَّلاَمِ على أهلِ الْمَعَاصِي سُنَّة مَاضية، وبه قال كَثير من أهلِ العِلْمِ في أهل البِدَع ... انتهى.
وقال النووي في رياض الصالحين: بابُ تحريمِ الْهُجْرَان بينَ المسلمين إلاَّ لِبِدْعَةٍ في الْمَهْجُور أو تظاهر بِفِسْق أو نحو ذلك.
تنبيه مهم:
الفاسق المسلم أعم من الفاسق المشروع هجره إيجابياً فكل فاسق مشروع هجره إيجابياً فهو بالضرورة يكون فاسقاً وليس كل فاسق يُشرع هجره.
حكم هجر المؤمن الصالح المُضر دنيوياً هجراً جميلاً وقائياً جائز بالاتفاق , وهذا من غير أن يقطع عنه السلام والكلام وحسن المعاملة إذا اجتمعا قسراً , قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا ضرر ولا ضرار".
وأما حكم هجر المؤمن الصالح المُؤذي دنيوياً هجراً جميلاً فجائز على مذهب بعض أهل العلم طبعاً باستثناء الوالدين , والورع يا عبد الله يقتضي صلة المؤمن الصالح المؤذي والصبر على أذاه ما لم يصل أذاه إلى حد الضرر , والفرق بين الضرر والأذى ـ والله أعلم ـ أن الأذى هو الضرر اليسير، قال ابن عطية: قوله تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً ـ معناه: لن يصيبكم منهم ضرر في الأبدان ولا في الأموال، وإنما هو أذى بالألسنة. وقال القرطبي: وَالْمَعْنَى لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا ضَرًّا يَسِيرًا. اهـ.
ولكن لا يلزم أن يكون هذا التفريق الثابت هنا ثابتا أيضا في لفظي المضرة والأذى المذكور في كلام ابن عبد البر.
بالطبع لا , وذلك أن البدعة تختلف مرتبتها من جهة كونها مكفرة أو لا , ومن جهة كونها إضافية أو حقيقية مستقلة , ومن جهة كونها بينة أو مشكلة وجهة صاحبها كونه مجتهداً أو مقلداً، داعية أو مستتراً عليها أولا, وتختلف باختلاف حال المبتدع وما فيه من خير وشر إلا أن هجر المبتدع الهجر الإيجابي عموماً شُرع لمقاصد وأغراض شرعية فمتى ما حقق تلك الأغراض فهو مشروع وإلا لم يكن مشروعاً بل قد يكون التأليف هو المشروع ويتأكد ذلك مع المبتدع المسلم المقلد المستتر غير الداعية.