في هجران أهل البدع ومن أحدث في الدين ما لم يرض والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء فهجرانه والبعد عنه خير من قربه لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية ... انتهى.
وفي الفروع لابن مفلح: قال القاضي أبو الحسين في التمام: لا تختلف الرواية في وجوب هجران أهل البدع وفساق الملة، وقال في الآداب: أطلق كما ترى, وظاهره أنه لا فرق بين المجاهر وغيره في المبتدع والفاسق، وقال القاضي في الأمر بالمعروف: إلى أن قال ونقل حنبل: إذا علم من الرجل أنه مقيم على معصية لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع, وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكراً عليه, ولا جفوة من صديق. انتهى.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ رضي الله عنه: إذَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ لِلَّهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا يَعْنِي مِنْ أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ بِالْهِجْرَانِ بِشَيْءٍ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ... انتهى.
قال النووي في شرحه لمسلم قوله: (أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ثم تخذف لا أكلمك أبداً) فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانه دائماً، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره ... انتهى).
وقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: وَيَجِبُ هَجْرُ مَنْ كُفِّرَ أَوْ فُسِّقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَوْ خَافَ الِاغْتِرَارَ بِهِ وَالتَّأَذِّي دُونَ غَيْرِهِ ... انتهى.
وقَالَ الْخَلَّالُ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَقَ الثَّقَفِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ رَافِضِيٌّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ , قَالَ لَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ ... انتهى.
وقال العراقي في أحاديث الأحكام: ... وأما قوله: لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام. فمحله إذا كان الهجران لحظوظ النفس، وتعنتات أهل الدنيا ... انتهى.
قال النووي في الروضة: قال أصحابنا وغيرهم هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور فلا يحرم، وعلى هذا يُحمل ما ثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعض. انتهى. وقال الشيخ ابن باز في أحد فتاويه (الحديث لا يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث، أما الثلاث ففيها رخصة، لكن هذا الهجر فيما يتعلق بأمور الدنيا، إذا صار بينه وبين أخيه خصومة، نزاع، دعاوى، فله أن يهجره ثلاثاً فأقل، وليس له أن يهجره فوق ثلاث، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام أما إذا كان الهجر لله، للمعاصي فهذا لا يتقيد بثلاث ولا بأربع ولا بأكثر، بل يجوز الهجر ويشرع الهجر لمن أظهر المعاصي ولو أكثر من ثلاثة أيام، ولو سنة، ولو سنتين، ولو أكثر منه، حتى يتوب العاصي، حتى يقلع عن ضلاله