ولعل قائل ذلك استند إلى ما ورد من أن الله تعالى يعتق من النار بكل عضو من الأضحية عضوا من المضحي، لكن هذا الحديث قال ابن الصلاح: غير معروف ولم نجد له سندا يثبت به، ثم هو منقوض بما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما رجل مسلم أعتق امرأً مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار)) (?) ولم ينه من أراد العتق عن أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته حتى يعتق.
وقيل: الحكمة: التشبه بالمحرم، وفيه نظر، فإن المضحي لا يحرم عليه الطيب والنكاح والصيد واللباس المحرم على المحرم، فهو مخالف للمحرم في أكثر الأحكام، ثم رأيت ابن القيم أشار إلى أن الحكمة توفير الشعر والظفر ليأخذه مع الأضحية، فيكون ذلك من تمام الأضحية عند الله وكمال التعبد بها، والله أعلم.
(تنبيه) : يتوهم بعض العامة أن من أراد الأضحية ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئا في أيام العشر؛ لم تقبل أضحيته، وهذا خطأ بين، فلا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ مما ذكر، لكن من أخذ بدون عذر فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإمساك، ووقع فيما نهى عنه من الأخذ، فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ولا يعود، وأما أضحيته فلا يمنع قبولها أخذه من ذلك.
وأما من احتاج إلى أخذ الشعر والظفر والبشرة فأخذها فلا حرج عليه، مثل أن يكون به جرح فيحتاج إلى قص الشعر عنه، أو ينكسر ظفره فيؤذيه فيقص ما يتأذى به، أو تتدلى قشرة من جلده فتؤذيه فيقصها، فلا حرج عليه في ذلك كله.
(تنبيه ثان) : ظاهر الحديث وكلام أهل العلم أن نهي المضحي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة يشمل ما إذا نوى الأضحية عن نفسه أو تبرع بها عن غيره، وهو كذلك، وذكر بعض المحشين من أصحابنا أن من تبرع بالأضحية عن غيره لا يشمله النهي، وما ذكرناه أولى وأحوط. فأما من ضحى عن غيره بوكالة أو وصية؛ فلا يشمله النهي بلا ريب.