النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ - قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقَ بِهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ. ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» .
" الْحَرَّةُ " أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ. يَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثِ مَسَائِلُ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا. وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا: أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ، مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالْمَعْصِيَةِ. وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: أَنَّ مَجِيئَهُ مُسْتَفْتِيًا يَقْتَضِي النَّدَمَ وَالتَّوْبَةَ، وَالتَّعْزِيرُ
اسْتِصْلَاحٌ
. وَلَا اسْتِصْلَاحَ مَعَ الصَّلَاحِ، وَلِأَنَّ مُعَاقَبَةَ الْمُسْتَفْتِي تَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ الِاسْتِفْتَاءِ مِنْ النَّاسِ عِنْدَ وُقُوعِهِمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ يَجِبُ دَفْعُهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: جُمْهُورُ الْأُمَّةِ عَلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِإِفْطَارِ الْمُجَامِعِ عَامِدًا، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ، وَهُوَ شَاذٌّ جِدًّا. وَتَقْرِيرُهُ - عَلَى شُذُوذِهِ - أَنْ يُقَالَ: لَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ، لِمَا سَقَطَتْ عِنْدَ مُقَارَنَةِ الْإِعْسَارِ لَهُ، لَكِنْ سَقَطَتْ. فَلَا تَجِبُ. أَمَّا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: فَلِأَنَّ الْقِيَاسَ وَالْأَصْلَ: أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْمَالِ إذَا وُجِدَ لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِعْسَارِ. فَإِنَّ الْأَسْبَابَ تَعْمَلُ إلَّا مَعَ مَا يُعَارِضُهَا مِمَّا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا. وَالْإِعْسَارُ إنَّمَا يُعَارِضُ وُجُوبَ الْإِخْرَاجِ فِي الْحَالِ؛ لِاسْتِحَالَتِهِ، أَوْ مَشَقَّتِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى السَّبَبِ فِي وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ فِي الْحَالِ. أَمَّا تَرَتُّبُهُ فِي الذِّمَّةِ إلَى وَقْتِ الْقُدْرَةِ: فَلَا يُعَارِضُهُ الْإِعْسَارُ فِي وَقْتِ السَّبَبِ. فَالْقَوْلُ بِرَفْعِ مُقْتَضَى السَّبَبِ