ولما كانت نفس الإنسان ليست له وإنما هي ملك لله فما لم يخرج عنها ويسلمها لمالكها الحق لم يثبت له في الفقر قدم، فالوصول إلى الله من طريق الفقر ولا دخول عليه إلا من بابه.
ومما يحقق شهود العبد لفقره التفاته إلى ما سبقت به السابقة من الله بمطالعة فضله وجوده ومنّته وأن العبد وكل ما فيه من خير فهو محض جود الله وإحسانه، وليس للعبد من ذاته سوى العُدْم، وذاته وصفاته وإيمانه وأعماله كلها من فضل الله عليه.
فإذا شَهِد هذا وأحضره قلبه وتحقق به خلّصه من رؤية أعماله فإنه لا يراها إلا من الله وبالله وليست منه هو ولا به.
ورؤية الأعمال حجاب بين العبد وبين الله ويخلصه منها شهود السبق ومطالعة الفضل.
لأنه إذا طالع سبق فضل الله علم أن كل ما حصل له من حال أو غيره فهو محض جوده، فلا يشهد له حالاً مع الله ولا مقاماً كما لم يشهد له عملاً.
فقد جعل عُدَّته للقاء ربه فقره من أعماله وأحواله فهو لا يَقْدم عليه إلا بالفقر المحض.