فلا يتّهم مولاه في تصرفه في ملْكه، ويرى تدبيره هو موجب الحكمة فليس لقلبه بالمال تعلّق ولا له به اكتراث لصعوده عنه وارتفاع همته إلى المالك الحق فهو غني به وبحبه ومعرفته وقربه منه عن كل ما سواه.
قد تبين بعض معاني الفقر فيما سبق وهنا زيادة بيان له لعظم أهميته وأنه كما قال ابن القيم: أشرف منازل القوم وأعلاها وأرفعها وأنه روح كل منزلة [من منازل إياك نعبد وإياك نستعين] وسرّها ولبّها وغايتها، وأنه تحقيق العبودية والإفتقار إلى الله تعالى في كل حالة.
وأنه عزل النفس عن مزاحمة الربوبية. إنتهى.
قد يسْتعظم الإنسان هذا الكلام ويقول: ومن يزاحم الربوبية؟ ولو فهم المراد حقيقة لعلم أننا نزاحم الربوبية وقد لا نشعر بذلك.
إن دعوانا ملكيتنا لنفوسنا وذواتنا ولو لم نتكلم بذلك هو مزاحمة الربوبية لأن التحقق بالفقر يُخرج العبد من كل دعوى، والمراد هنا معرفة القلب وحال القلب، وأما أن نقول: نحن مماليك لله بأحوال مخالفة فهذا لا يكلّفنا عناء.