وإنما يُخلّصها من هذه المضاهاة (ذل العبودية) وهو أربع مراتب [ومنها تظهر بعض أسرار التوبة]:
المرتبة الأولى: مشتركة بين الخلق وهي ذل الحاجة والفقر إلى الله، فأهل السموات والأرض جميعاً محتاجون إليه، فقراء إليه وهو وحده الغني عنهم، وكل أهل السموات والأرض يسألونه وهو لا يسأل أحداً.
المرتبة الثانية: ذل الطاعة والعبودية، وهو ذل الإختيار، وهو خاص بأهل طاعته، وهو سِر العبودية.
المرتبة الثالثة: ذل المحبة، فإن المحب ذليل بالذات، وعلى قدر محبته يكون ذلّه، فالمحبة أُسِّسَت على الذلة للمحبوب كما قيل:
إخضع وذلَّ لمن تحب فليس في ... حكم الهوى أنف يُشال ويُعقدُ
وقال آخر:
مساكين أهل الحب حتى قبورهم ... عليها تراب الذلّ بين المقابر
المرتبة الرابعة: ذل المعصية والجناية، فإذا اجتمعت هذه المراتب الأربع، كان الذل لله والخضوع أكمل وأتم، إذ يذلّ له خوفً وخشية ومحبة وإنابة وطاعة وفقراً وفاقة.