وحقيقة ذلك: هو الفقر الذي يشير إليه القوم، وهذا المعنى أجلّ من أن يسمى بالفقر، بل هو لبّ العبودية وسرّها، وحصوله أنفع شيء للعبد وأحب شيء إلى الله، فلا بد من تقدير لوازمه من أسباب الضعف والحاجة وأسباب العبودية والطاعة وأسباب المحبة والإنابة وأسباب المعصية والمخالفة.
ومنها السر الأعظم الذي لا تقتحمه العبارة ولا تجسر عليه الإشارة، ولا ينادي عليه منادي الإيمان على رؤوس الأشهاد، بل شهدته قلوب خوّاص العباد، فازدادت به معرفة لربها ومحبة له وطمأنينة به وشوقاً إليه ولهجاً بذكره وشهوداً لبرِّه ولطفه وكرمه وإحسانه، ومطالعة لسر العبودية، وإشرافاً على على حقيقة الإلهية، وهو ما ثبت في الصحيحن من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلة بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيِسَ منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيِسَ من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) هذا لفظ مسلم.