وهذه الآية في سورة مدنية، خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم ثم علّق الفلاح بالتوبة تعليق المسبِّب بسببه. إنتهى.
تأمل هذا تعرف جهل كثير من الناس بالتوبة حيث يظن أنها مقصورة على من ترك الواجبات وفعل المحرمات وهذا غلط فأمر التوبة أجلّ من هذا وهي أشمل وأعمّ من ذلك وقد أمر الله بها سادات الأولياء أهل الإيمان وخيار الخلق ويأتي إن شاء الله زيادة بيان لهذا بل هذا الكتاب كله في شأن التوبة وتصحيحها.
ثم قال رحمه الله: قال تعالى: (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) قسم العباد إلى تائب وظالم وما ثمّ قسم ثالث البتّه وأوقع اسم الظالم على من لم يتب، ولا أظلم منه لجهله بربه وبحقه وبعيب نفسه وآفات أعماله، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا أيها الناس توبوا إلى الله فو الله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة).
ومن علامات التوبة انخلاع قلبه وتقطعه ندماً وخوفاً، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى: (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) قال: تقطّعها بالتوبة.