فهو في رقاده مع النائمين، وفي سكرته مع المخمورين، فمتى انكشف عن قلبه سِنَة هذه الغفلة بزجرة من زواجر الحق في قلبه استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن أو هِمّة علِيَّة أثارها مِعْوَل الفكر في المحل القابل فضرب بمعول فكره وكبّر تكبيرة أضاءت له منها قصور الجنة فقال:
ألا يا نفس ويحك ساعديني ... يسعى منك في ظلم الليالي ...
لعلك في القيامة أن تفوزي ... بطيب العيش في تلك العلالي
فأثارت تلك الفكرة نوراً رأى في ضوئه ما خُلق له وما سيلقاه بين يديه من حين الموت إلى دخول دار القرار، ورأى سرعة انقضاء الدنيا وعدم وفائها لبنيها وقَتْلها لعشاقها، وفعلها بهم أنواع المثلات فنهض في ذلك الصوء على ساق عزمه قائلاً: (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) فاستقبل بقية عمره التي لا قيمة لها مستدركاً بها ما فات، ومحيياً بها ما أمات، مستقلاً بها ما تقدم من العثرات، منتهزاً فرصة الإمكان التي إن فاتت فاتته جميع الخيرات.
ثم يلحظ في نور تلك اليقظة وُفُور نعمة ربه عليه من حين استقر في الرّحم إلى وقته وهو ينقلب فيها ظاهراً وباطناً ليلاً ونهاراً ويقظة ومناماً سراً وعلانية.