قال بعض السلف: إذا اجتمع إبليس وجنوده لم يفرحوا بشيء كفرحهم بثلاثة أشياء: مؤمن قتل مؤمناً، ورجل يموت على الكفر وقلب فيه خوف الفقر.
وهذا الغنى محفوف بفقرين: فقر قبله وفقر بعده وهو كالغفوة بينهما.
فحقيق لمن تصح نفسه أن لا يغترّ به ولا يجعله نهاية مطلبه، بل إذا حصل له جعله سبباً لغناه سبباً لغناه الأكبر ووسيلة إليه، ويجعله خادماً من خدمة لا مخدوماً له وتكون نفسه أعزّ عليه أن يُعبِّدها لغير مولاه الحق أو يجعلها خادمة لغيره. إنتهى.
إعلم أن قوله: (بل إذا حصل له جعله سبباً لغناه الأكبر ووسيلة إليه) ليس المراد هنا بالغنى الأكبر إلا الغنى بالله عز وجل بمحبته والشوق إليه والعمل بطاعته، وإنما ذكرت هذا التنبيه لئلا يصرف الفهم إلى أن الغنى الأكبر أن يعطي الله العبد في الآخرة ما يعطيه فقط لأن هذا وإن كان يحصل للمؤمن في الآخرة وهو يريده أيضاً وإنما المقصود التنبيه هنا لما يَسُدُّ فاقة القلب ويغني فقره وأنه الإله الحق سبحانه، فالغنى به بذاته ولو قُدّر أنه لم يخلق الجنة، وهذا معنى الإله، وهو مألوه القلب ليس معناه فقط الخالق بل المألوه بغاية المحبة