وأدق، وما مثل هؤلاء الحمقى النوكى إلا كمثل رجل لا علم له بدقائق الصنائع والعلوم من البناء والهندسة والطب، بل والحياكة والخياطة والنجارة إذا رام الاعتراض بعقله الفاسد على أربابها في شيء من آلاتهم وصنائعهم وترتيب صناعتهم فخفيت عليه، فجعل كل ما خفي عليه منها شيء قال: هذا لا فائدة فيه، وأي حكمة تقتضيه؟!، هذا مع أن أرباب الصنائع بشر مثله يمكنه أن يشاركهم في صنائعهم ويفوقهم فيها فما الظن بمن بهرت حكمته العقول الذي لا يشاركه مشارك في حكمته كما لا يشاركه في خلقه فلا شريك له بوجه.
فمن ظن أن يكتال حكمته بمكيال عقله أو يجعل عقله عياراً عليها فما أدركه أقر به، وما لم يدركه نفاه فهو من أجهل الجاهلين، ولله في كل ما خفي على الناس وجه الحكمة فيه حكم عديدة لا تُدفع ولا تنكر، فاعلم الآن أن تحت منابت هذه الشعور من الحرارة والرطوبة ما اقتضت الطبيعة إخراج هذه الشعور عليها؛ ألا ترى أن العشب ينبت في مستنقع المياه بعد نُضوب الماء عنها لما خُصَّت به من الرطوبة