ولكن ظهور الزاوية الدلائية في ذلك الحين كان له أثر كبير، فكأنّما بعثها الله لحفظ تراث العلوم والآداب الذي كاد أن يضيع، فصارت مركزاً مهما لنشر الثقافة العربية بين قبائل المغرب، فتخرج منها عدد لا يحصى من العلماء الفطاحل.

ولما ظهرت الدولة العلويّة وفي عهد المولى رشيد قضى على الزاوية الدلائية، ولكنه لم يقل شأناً عن غيره في اهتمامه بالعلم- والعلماء فقام بنقل أهل العلم من رجالها مكرّمين إلى فاس حيث عكفوا على التعليم والتذكير من غير خوف ولا نكير وكان مجلسه لا يخلو من العلماء وأهل الخير والصلاح، فأنشأ مدرسة "الشراطين" 1 بفاس لدراسة العلم وسكنى طلابه 2.

واستمرت الحياة العلمية مزدهرة في عهد المولى محمد بن عبد الله الذي كان دائم المعالجة للحالة العلمية والاستنهاض لهمم العلماء، كي يجاروا الزمن في تطوّره، فأراد أن يقضي على علم الفروع وعلم الكلام معا والاقتصار على كتب السنّة، وبالفعل فقد بعث بأوامره في هذا الصدد إلى كافة علماء المغرب، إلاّ أنّه لم يحرّم النظر في كتب الخلاف عموماً وإنّما أمر بالرجوع إلى الأمهات والاعتماد أساساً على كتاب الله وسنّة رسوله اللذين هما المرجع الأول والأخير لأحكام الشريعة 3.

وفي سنة 1203هـ أصدر منشوراً بيّن فيه النظام الذي يجب اتّباعه وقسّمه إلى ثلاثة فصول، يتناول في الفصل الأول أحكام القضاة، والفصل الثاني في أئمة المساجد، والفصل الثالث في المدرسين في مساجد فاس.

وبالتأمل في فصول هذا المنشور يظهر ما كان للمولى محمد بن عبد الله من النيّة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015