وقد أشار الإسلام إلى أن المدة القصوى للهجر ينبغي أن لا تزيد على أربعة أشهر، وذلك إذ جعل للذين يولون من نسائهم (أي: يحلفون أن لا يعاشروهن المعاشرة الزوجية) أن يتربصوا أربعة أشهر، فإما أن يعودوا إلى معاشرتهن، وإما أن يكون لزوجاته الحق بأن يطالبن بالفراق.

فإذا لم تُجدِ وسيلة الهجر في رد الزوجة إلى الطاعة والاستقامة، لم يكن للزوج مندوحة قبل العزم على حل عقدة الزواج بالطلاق من اللجوء إلى المرتبة الثالثة من مراتب التأديب.

المرتبة الثالثة: مرتبة الضرب غير المبرح الذي لا يصل إلى أدنى الحدود الشرعية.

وما نظن امرأة في الدنيا توجه لها أشد درجات الموعظة فلا تستقيم، ثم تهجر أبلغ أنواع الهجر وأقساها فلا تستقيم أيضاً، إلا أن تكون مبلدة الحس، سيئة العشرة، كريهة الطبع، لا تشعر بكرامة نفسها، فهي تستحق الت أديب بالضرب، أو أن تكون مكارهة تبغي الفراق، ولكنها لا تحاول أن تصرح به لغرض في نفسها.

فإذا كانت كارهة راغبة بالفراق فإن لديها من الوسائل ما يبلغها مرادها، دون أن تكاره الزوج بالنشوز والعصيان والخروج عن طاعته، وبإمكانها أن تعرب عما في نفسها منذ أن استخدم في إصلاحها المرتبة الأولى فالثانية، فهو يظنها زوجة راضية به حريصة عليه.

أما إذا لم تعلن رغبتها بمفارقته فالظاهر من أمرها أنها امرأة إما أن تكون ممن يصحلهن الضرب، أو أن يكون نصيبها الفراق، إلا أن إهانتها بالفراق ووسهما بأنها امرأة لا تصلح للمعاشرة الزوجية أقسى عليها وأشد من إهانتها بالضرب غير المبرح.

على أن في يديها حق المطالبة بالفراق، قبل أن يمارس الزوج هذه الوسيلة في إصلاحها وردها إلى الطاعة والاستقامة، وبذلك تحفظ كرامتها إذا كانت من الصنف الذي لا يتحمل الإهانة بالضرب، وهي مصرة على أن تظل معاندة غير مستجيبة لوسائل التربية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015