قتل الأولاد من الفقر الواقع، وذلك حينما يكون الولي هو المسؤول عن النفقة على أولاده وأما في سورة (الإسراء) فعكس الترتيب، فقال تعالى: {نحن نرزقهم وإياكم} إذ كان ذلك عقب النهي عن قتل الأولاد خشية حصول الفقر في المستقبل، وعكس الترتيب في آية (الإسراء) يشعر باحتمال أن يكبر الأولاد قبل حصول الفقر، وحينئذ يكونون هم المرزوقين الذين ينفقون على أوليائهم وبذلك يكونون سبباً للكفاية أو الغنى، لا سبباً لحصول الفقر الذي يخشى أن يكونوا سبباً فيه.
وفي صور الوأد الذي عرفته البيئات الجاهلية جاءت عدة آثار:
فعن عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم} قال: نزلت فيمن كان يئد البنات من مضر وربيعة، كان الرجل يشترط على امرأته أن تئد بنتاً وتستحيي أخرى، فإذا جاء دور التي توأد غدا من عند أهله أو راح، وقال: "أنت علي كأمي إن رجعت إليك ولم تئديها" فترسل إلى نسوتها فيحفرن لها حفرة فيتداولنها بينهن، فإذا بصُرنَ به مقبلاً دسسنها في حفرتها ويسوّين عليها التراب.
وعن ابن عباس قال: كانت الحامل إذا قربت ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإذا ولدت ولداً حبسته، وكانوا يفعلون ذلك لخوف لحوق ال عار بهم من أجلهن، أو خوف الإملاق، كما قال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} .
وذكر المؤرخون أنه قد افتن العرب في ظلم البنات وإهانتهن، فمنهن من كان إذا ولدت له بنت ألبسها جبة من صوف أو شعر وأرسلها في البادية ترعى إبله، وإن أراد أن يقتلها تركها، حتى إذا بلغت من العمر ست سنوات، قال لأمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئراً في الصحراء، حتى إذا بلغها قال لها: "انظري فيها" ثم يدفع من خلفها ويهيل عليها التراب، حتى تسوّى البئر بالأرض، ومنهم من كان يفعل ما هو أنكى من ذلك وأقسى.
وقد ذهب في هذا الوأد ضحايا كثيرات من الإناث البريئات، حتى جاء