فيها، تتلقى جزءاً من ألف مما تتلقاه المؤسسات التبشيرية، لاستطاعت أن تخدم القضايا الإسلامية المختلفة خدمات جلى، ولاستطاعت قوة الدينار الذي يدعم نشاطها أن تجمد قوة آلاف الدولارات والجنيهات والفرنكات والروبلات والماركات، التي تدعم أنواع النشاط التي تقوم بها المؤسسات التبشيرية والجمعيات الاستشراقية في العالم والدوائر الاستعمارية.
والعملية الحسابية في ذلك لا تحتاج إلى رياضيات عالية، وإنما تحتاج إلى شيء من البصر الثاقب والخبرة التجريبية.
أما البصر الثاقب فإنه لا بد أن يلاحظ أن قوة الحق التي يرجحها في العقول وزنها الذاتي، يكفيها من القوى المادية ما يبرزها ويحسن عرضها، ويحبب النفوس بها.
بخلاف الباطل فإنه عديم القوة الذاتية، ولن يجد له رجحاناً في العقول، وإنما يجد لديها رجحاناً مزوراً، بمقدار ما تستطيع مرضيات المطامع النفسية والتزويرات والتزيينات الكلامية، أن تطفئ من نور العقل، وتحجب من تفكيره السديد، وقلما تستطيع المطامع والتزويرات اليسيرة أن تحجب التفكير السديد.
من أجل ذلك يكون درهم يسد الحاجة الضرورية مع فكرة ذات وزنٍ ذاتي، أثقل وأقوى من مئة درهم مع فكرة ليس لها وزن ذاتي، فضلاً عن فكرة ذات قوة عكسية تطيش بكفة الميزان إلى الأعلى، ولو لم يكن في الكفة المقابلة إلا الفراغ المطلق، أما إذا زادت نسبة الدراهم إلى ألف درهم في جانب الباطل، ونقص الدرهم إلى دانق لا يُسمن ولا يغني من جوع في جانب الحق، فإن زوغان الأبصار من شدة الجوع، مع بريق الغنى الذي يستجلب الطمع في جانب الباطل، من شأنه أن يقلب وضع الإنسان السوي، فيجعل عاليه سافله، وبذلك يشاهد الأشياء على غير ما هي عليه في الواقع.
وأما التجربة فقد أثبتت أن بعض الدعاة الإسلاميين البسطاء، الذين يعملون بدافع ذاتي من قلوبهم، يعادل عشرات المبشرين المعدين إعداداً علمياً عالياً. ومرجع ذلك يعود إلى ما سبق بيانه.