- العوامل التي مهّدت لطمع الصليبيين بالمسلمين
تواطأت الدول النصرانية كلُّها على الإسلام والمسلمين منذ بيَّتَت المكيدة، ودبرت الخطة، وأعدت العدة للحروب الصليبية، ثم قامت فعلاً بهذه الحروب، وقدمت لها حشوداً كبيرة من رجالها، وأموالها، وأعتدتها، وواتتها فرصة العمل، لأن المسلمين قد أمسَوا في واقع من التخلف والتفرق ومجافاة الإسلام لا يُحسدون عليه، بل يرثى لحالهم فيه.
فالإسلام في مفاهيمه الصحيحة قد كان بينه وبين تطبيقات المسلمين العملية مسافة المخالفة والمعصية والإثم، وكان بينه وبين تصور جمهور المسلمين له خلاف في كثير من الأمور. وكانت الحكومات الإسلامية في مختلف الأمصار متنازعة متنافرة، قد أوهنتها عوامل العداء والطمع والأثرة وحب الذات. وكانت الشعوب الإسلامية قد نالت من كيانها عوامل حب الدنيا، والانغماس في الشهوات، والإخلاد إلى الأرض، وحطمت من قواها عدة عوامل، منها البخل بالأموال وبالأنفس، وفقد الثقة بالنفس، وضعف اليقين بالله والاعتماد عليه، وهذا هو المرض الذي يصيب كل أمة ذات مجد رفيع، متى بدأت عجلات مركبة المجد فيها تنحدر إلى ما دون القمة، بسبب الغرور بمظاهر القوة وتراث المجد، وبسبب الانغماس بالشهوات، والاستغراق في مفاتن الحياة الدنيا من مال وجاه، وبسبب التنازع والتفرق والغفلة عن مكامن الخطر، وإهمال ما يجب عليها من الصيانة المستمرة لكل قواعد مجدها،وأسس عزتها،