وقبل أن أُثبت لك تناقضَ ابن رُشيد، قِفْ مع كلامه الأخير هذا متأمّلاً، كيف أنه اعترف بأن (عن) مُسْتَخْدَمَةٌ بكثرة في الدلالة على الاتّصال، ولكنّه اشْتَرَط لحملها على الاتّصال في العُرْف إجماعًا على ذلك وعُرْفًا لا ينخرم، وهذا الشرط لا يصحُّ، إذ تكفي غلبة الاستعمال بمعنى معيَّنٍ ليكون ذلك الاستعمالُ عرفًا لا يُخْرَجُ عنه إلا بقرينة.
ثم انظر كيف اختلف موقفه كل الاختلاف، عندما جاء لتقرير صحّة المذهب الذي تبنّاه، والذي كان يعتقد أنه مذهب البخاري وعلي بن المديني= حيث قال في تقريره: ((وأمّا من حيثُ النظر: فكان الأصل (كما قدّمنا) أن لا نقبل إلا ما عُلِم فيه السماعُ حديثًا حديثًا، عند من لا يقول بالمرسل، لاحتمال الانفصال. إلا أن علماءَ الحديث رَأَوْا أن تَتَبُّعَ طلبِ لفظٍ صريح في الاتّصال يعزُّ وجودُه، وأنه إذا ثبت اللقاء ظُنَّ معه السماع غالبًا، وأن الأئمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم فمن بعدهم استغنوا كثيرًا بلفظ (عن) في موضع (سمعت) و (حدثنا) وغيرهما من الألفاظ الصريحة في الاتّصال اختصارًا، ولما عُرِفَ من عُرْفِهم الغالب في ذلك، وأنه لا يضعُها في محلّ الانقطاع عَمَّن عُلِمَ سماعُهُ منه لغير ذلك الحديث بقَصْد الإيهام إلا مُدَلِّسٌ يُوهم أنه سمع ما لم يسمع. .)) (?) .
فانظر كيف اضطُّرَّ أن يرجع فيقول: ((ولما عُرِفَ من عُرفهم الغالب في ذلك)) !!!
فإن قيل: ألا يخرم هذا العُرْفَ روايةُ الراوي عَمّن عاصره ولم يلقه؟
فالجواب هو الأصل الثاني.