وَاعْلَم أَنه ذكر فِي أصل النّظم أَنه لَا يلْزم أَن تكون شهرته الْبَيَان كشهرة الْمُبين فَلم نذكرهُ هُنَا لِأَنَّهُ قد سبق مَا يفِيدهُ فِي بَاب الْعَام وَالْخَاص حَيْثُ قُلْنَا وَخص بالآحاد مَا تواترا
وَالْحَاصِل أَنه اخْتلف هَل يشْتَرط أَن يكون الْبَيَان أقوى من الْمُبين فَقَالَ الرَّازِيّ لَا يشْتَرط ذَاك فَيجوز بالأدنى فيبين المظنون الْمَعْلُوم قَالَ الْعَضُد بعد كَلَام وَأما الْمُجْمل فَيَكْفِي فِي بَيَانه أدنى دلَالَة وَلَو مرجوحا إِذْ لَا تعَارض انْتهى وَلابْن الْحَاجِب بعض تَخْلِيط
هَذَا وَأما مَسْأَلَة جَوَاز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة أَو عدم جَوَازه فتأتي الْمَسْأَلَة قَرِيبا
وَلما ذكر أَئِمَّة الْأُصُول مسَائِل وَقع فِيهَا خلاف هَل هِيَ من الْمُجْمل ذَكرنَاهَا هُنَا بقولنَا
والمدح للشَّيْء دَلِيل الْحسنى
لِأَنَّهُ حث على مَا أثنى ... وذمه فِي الْقبْح قَالُوا أوضح
مِمَّا يُفِيد النَّهْي فَهُوَ أقبح
أَي أَن مدح الشَّيْء دَلِيل على أَنه حسن لِأَن فِيهِ حثا وتحريضا على الْعَمَل بِهِ وذم الشَّيْء دَلِيل على أَنه قَبِيح منفر عَنهُ أَشد التنفير من النَّهْي فَإِن النَّهْي قد يكون للكراهة الَّتِي هِيَ دَاخِلَة تَحت الْحسن عِنْد الْأَكْثَر وَهَذَا معنى قَوْله أوضح وَفرع عَلَيْهِ قَوْله فَهُوَ أقبح
وَاعْلَم أَن تَأْخِير هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَى هَذَا الْمحل وَقع تبعا لأصل النّظم وَهُوَ تبع الْمهْدي فَإِنَّهُ قَالَ مَا حَاصله إِن الْمَدْح والذم قد يتَرَدَّد بَين تَعْلِيقه بالأشخاص وبالأفعال فَجعل هَذِه الْمَسْأَلَة بعض الْأُصُولِيِّينَ لذَلِك من الْمُجْمل قَالُوا لِأَن قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} الْآيَة يحْتَمل أَنه جَاءَ بِصفة الَّذين لمُجَرّد التَّعْرِيف بِصفة الرجل المذموم لَا لذمه لما أفادته جملَة الصِّلَة فِي الْآيَة وَهُوَ الْكَنْز كَمَا تَقول الَّذِي يلبس الْبيَاض