من الْوُجُوب إِلَّا ذَلِك وَهَذَا دَلِيل عَقْلِي لِأَن إِدْرَاك حسن هَذَا الذَّم عَقْلِي وَإِن اسْتُفِيدَ من موارد اللُّغَة فَلهَذَا نسب الذَّم إِلَى الْعُقَلَاء إِشَارَة إِلَى أَنه عَقْلِي
ثمَّ أَشَرنَا إِلَى الدَّلِيل الشَّرْعِيّ بقولنَا وأيا نستدل أَي وَنَرْجِع بعد إِقَامَة الدَّلِيل الأول إِلَى إِقَامَة الدَّلِيل الثَّانِي وَهُوَ الشَّرْع وَتَقْرِيره أَنه تكَرر من الصَّحَابَة الِاسْتِدْلَال بأوامر الشَّرْع على الْوُجُوب وتكرره أَمر لَا يُنكره إِلَّا مباهت وشيوعه بَينهم كَذَلِك وَهُوَ المُرَاد من الْإِجْمَاع وَالْقَوْل بِأَنَّهُ إِجْمَاع سكوتي قد سلفت فِيهِ المناقشة وَجَوَابه أَنه يُفِيد الظَّن فِي إِثْبَات هَذَا الأَصْل بِلَا تردد وَلَا فرق بَين إِثْبَات الْأُصُول بِالدَّلِيلِ الظمني والقطعي من حَيْثُ وجوب الْعَمَل وَقد قَرَّرْنَاهُ فِي مَوَاضِع وَالدَّلِيل الْفرق وَهَذَا أَمر مَعْرُوف عِنْد كل عَاقل من متشرع وَغَيره بِأَنَّهُ إِذا أَمر الرجل من لَهُ أمره وَخَالفهُ ذمه كل وَاحِد واستحسنوا تَأْدِيب الْآمِر لمن عَصَاهُ وَهَذَا شَيْء يكَاد أَن يكون فطريا يعرفهُ من يُمَيّز قبل تَكْلِيفه وَاسْتدلَّ بآيَات قرآنية مثل قَوْله تَعَالَى {مَا مَنعك أَلا تسْجد إِذْ أَمرتك} أَي بقولنَا {اسجدوا لآدَم} فإنكاره تَعَالَى على إِبْلِيس وذمه ولعنه وطرده دَلِيل على أَن افْعَل وَنَحْوه إِذا اطلق يفقد الْإِيجَاب وَلما قَرَّرْنَاهُ أَن الْأَمر للْإِيجَاب حَقِيقَة واخترناه أبنا أَنه يسْتَعْمل فِي معَان كَثِيرَة مجَازًا ... وَقد أَتَت صيغته مجَازًا ... فِي غَيره قد تركت إيجازا ...
لما ذكر أَئِمَّة الْأُصُول أَنَّهَا تَأتي صِيغَة الْأَمر لمعان مجازية وتعرضوا فِي المطولات لذكرها حَتَّى بلغ بهَا الْفَاضِل الْبرمَاوِيّ فِي منظومته وَشَرحهَا إِلَى أَكثر من ثَلَاثِينَ نوعا وعد أمثلتها أَشَرنَا إِجْمَالا إِلَيْهَا وَتَركنَا التفاصيل للإيجاز كَمَا قُلْنَا وَلِأَنَّهُ قد علم من الْقَوَاعِد أَن الْمجَاز مَوْضُوع بالنوع فَإِذا وجدت العلاقة والقرينة جَازَ اسْتِعْمَاله فالتعرض لعد أَفْرَاده بعد ذَلِك شغل للأوراق