وَاضح لِأَن قرينَة الْمُشْتَرك مُعينَة للمعنى المُرَاد من اللَّفْظ الْحَقِيقِيّ وقرينة الْمجَاز صارفة عَن إِرَادَته أَي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ ومقيدة لَهُ إِن قلت تعْيين الْقَرِينَة أحد مَعَاني الْمُشْتَرك صارفة أَيْضا للمعنى الآخر قلت لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهَا إِلَّا التَّعْيِين وَإِن استلزمت الصّرْف فَلَيْسَتْ فِيهِ مَقْصُودَة لأجل الصّرْف بل لأجل التَّعْيِين وَالْحَاصِل أَن الْمُشْتَرك مَوْضُوع للدلالة بِنَفسِهِ وَإِنَّمَا حصل الْإِيهَام من الِاسْتِعْمَال فَكَانَت قرينته لتعيينه بِخِلَاف قرينَة الْمجَاز فَإِنَّهَا محصلة لأصل الْمَعْنى الْمجَازِي صارفة عَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ ثمَّ اعْلَم أَن العلاقة الْمشَار إِلَيْهَا قد تكون المشابهة وَقد تكون غَيرهَا فانقسم بِسَبَبِهَا الْمجَاز قسمَيْنِ مجَاز مُرْسل واستعارة أَشَارَ إِلَى الأول بقوله ... وَإنَّهُ نَوْعَانِ مِنْهَا الْمُرْسل ... كَالْيَدِ للنعمة فِيمَا مثلُوا ...
هَذَا هُوَ النَّوْع الأول وَهُوَ الْمجَاز الْمُرْسل وَهُوَ مَا كَانَت علاقته المصححة لإطلاقه غير المشابهة بَين الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي وَلذَا سمي مُرْسلا لإرساله عَن التَّقْيِيد بالمشابهة كَمَا قيد بهَا قسيمه ومثلوه بِإِطْلَاق الْيَد على النِّعْمَة فِي قَوْلهم لفُلَان عِنْدِي يَد بعلاقة هِيَ كَون الْيَد الْجَارِحَة بِمَنْزِلَة الْعلَّة الفاعلية للنعمة من حَيْثُ أَنَّهَا مِنْهَا تصدر وَتصل إِلَى الْمَقْصُود بِالنعْمَةِ كَمَا تصل بِالْيَدِ إِلَى مَا يُرَاد والعلاقة تسمى السَّبَبِيَّة أَو الْمُلَازمَة والعلاقات قد عدت فِي فن الْبَيَان بِلَا زِيَادَة على عشْرين علاقَة وَلَا حَاجَة إِلَى استيفائها هُنَا لِأَن لَهَا فَنًّا آخر هُوَ علم الْبَيَان وَقد اسْتكْمل عَددهَا فِي شرح الْغَايَة الثَّانِي من نَوعه قَوْله ... ثَانِيهمَا يَدعُونَهُ استعاره ... كأنشب الْمَوْت بِهِ أَظْفَاره ...