وَاعْلَم أَنه أثبت القَوْل بالمفاهيم مُخَالفَة وموافقة جمَاعَة كَمَا عرفت ونفاه الظَّاهِرِيَّة جملَة حَتَّى الْمُوَافقَة نَحْو دلَالَة {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} على النَّهْي عَن الضَّرْب فَقَالُوا لَا يدل عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم هَذَا مَكَان عَظِيم فِيهِ أَخطَأ كثير من النَّاس وفحش جدا واضطربوا فِيهِ اضطرابا شَدِيدا وَذَلِكَ أَن طَائِفَة قَالَت إِذا ورد النَّص من الله تَعَالَى أَو من رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُعَلّقا بِصفة مَا أَو بِزَمَان مَا أَو بِعَدَد مَا فَإِن مَا عدا تِلْكَ الصِّفَات وَمَا عدا ذَلِك الزَّمَان وَمَا عدا ذَلِك الْعدَد فَوَاجِب أَن يحكم فِيهِ بِخِلَاف الحكم فِي هَذَا الْمَنْصُوص وَتَعْلِيق الحكم بالأحوال الْمَذْكُورَة دَلِيل على أَن مَا عَداهَا مُخَالف لَهَا
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى وهم جُمْهُور أَصْحَابنَا الظَّاهِرِيَّة وَطَوَائِف من الشافعيين مِنْهُم أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج وَطَوَائِف من المالكيين إِن الْخطاب إِذا ورد كَمَا ذكرنَا لم يدل على أَن مَا عداهُ بِخِلَافِهِ بل يكون ذَلِك مَوْقُوفا على دَلِيله
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يجوزغيره لِأَن كل خطاب وكل قَضِيَّة فَإِنَّمَا تعطيك مَا فِيهَا فَقَط وَلَا تعطيك حكما فِي غَيرهَا لَا على أَن مَا عَداهَا مُخَالف لَهَا وَلَا أَنه مُوَافق لَهَا لَكِن كل مَا عَداهَا مَوْقُوف على دَلِيله
ثمَّ قَالَ أما قَول الله تَعَالَى {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} فَلم يرد غير هَذِه اللَّفْظَة لما كَانَ فِيهَا تَحْرِيم ضربهَا وَلَا قَتلهمَا وَلما كَانَ فِيهَا إِلَّا تَحْرِيم قَول أُفٍّ فَقَط وَلَكِن لما قَالَ الله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة نَفسهَا {وبالوالدين إحسانا إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما وَقل لَهما قولا كَرِيمًا واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة وَقل رب ارحمهما كَمَا ربياني صَغِيرا}