النَّفْي عبارَة نظرا إِلَى الْمَقْصُود بالْكلَام وانه لم يسق أَصَالَة إِلَّا لنفي الألوهية عَن غَيره تَعَالَى واما إِثْبَاتهَا لَهُ فَغير مَقْصُود من الْكَلَام لِأَن كل عَاقل يَعْتَقِدهُ

قلت وَلذَا قَالُوا فِي الْأَصْنَام {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} فَلم يَكُونُوا نافين لَهُ بل أثبتوا مَعَه غَيره فَخُوطِبُوا بِكَلِمَة التَّوْحِيد وَالْقَصْد نفي الألوهية عَن غَيره تَعَالَى وَلذَا قَالَ إِنَّه قصر إِفْرَاد وعَلى رَأْي من أثبت الْمَفْهُوم إنَّهُمَا أَي النَّفْي وَالْإِثْبَات قصدا سَوَاء النَّفْي وَالْإِثْبَات وَأَنَّهَا أفادت إِثْبَات الأولهية لَهُ تَعَالَى كَمَا أفادت نَفيهَا عَمَّا سواهُ لَكِن الأول سموهُ مَفْهُوم قصر وَالثَّانِي مَنْطُوق وَالْقَصْد فيهمَا سَوَاء إِلَى إِثْبَات الحكم ونفيه إِنَّمَا اخْتلفت طَريقَة الدّلَالَة وَفِي مثل لَهُ عَليّ ألف إِلَّا مئة الحكم منصب إِلَى تسع مئة وَأَنه لم يتَكَلَّم بِالْألف فِي حق لُزُوم المئة فقد اتّفق الْفَرِيقَانِ أَنه لَا يلْزمه إِلَّا تسع مئة فَالْحكم فِي الْمُسْتَثْنى منعدم لِانْعِدَامِ الدَّلِيل الْمُوجب لَهُ فِي صُورَة التَّكَلُّم بِهِ

وَاعْلَم أَن مُثبت الحكم هُنَا للمفهوم إِنَّمَا يَقُول بِهِ فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل وَبِه يعرف بطلَان قَول من قَالَ إِنَّهَا تظهر فَائِدَة الْخلاف فِيمَا إِذا اسْتثْنى خلاف الْجِنْس كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا ثوبا إِلَى آخر كَلَامه فَإِن هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ

وَاعْلَم أَن الِاسْتِدْلَال بِإِجْمَاع أَئِمَّة الْعَرَبيَّة بِأَنَّهُ من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي إِثْبَات وَقد قدح فِيهِ بِأَن الْكُوفِيّين لَا يَقُولُونَ بذلك كَمَا نَقله الزَّرْكَشِيّ فِي شرح الْجمع وَنَقله ابْن عقيل وَغَيره عَن الْكِنَانِي بِأَن جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا مَعْنَاهُ الْقَوْم الْمخْرج مِنْهُم زيد دون نظر إِلَى الحكم على زيد بالمجيء أَو عَدمه وَلَا بُد إِن شَاءَ الله من زِيَاد تَحْقِيق يَأْتِي فِي التَّخْصِيص بِالِاسْتِثْنَاءِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015