من ذَلِك وَلذَا قُلْنَا هَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ ذُو الْعلم ونسبناه إِلَى قَائِله حَيْثُ لَا نرتضيه
إِذا عرفت هَذَا فالأشياء قبل الشَّرْع لَا حكم فِيهَا شَرْعِي ضَرُورَة أَنَّهَا مَفْرُوضَة قبل وُرُوده وَالْعقل حكمه اسْتِحْسَان الْحسن بِالرَّفْع من شَأْن فَاعله ومدحه واستقباح الْقَبِيح بِالْوَضْعِ من شَأْن فَاعله وذمه وَلَيْسَ لَهُ حكم يسْتَلْزم عقَابا أخرويا فعندهم من ظلم زيدا بِأخذ مَاله وَسبي حريمه فَاعل قَبِيح يستحسن الْعُقَلَاء ذمه والانتصاف مِنْهُ والمحسن إِلَى زيد بِأَيّ إِحْسَان على عَكسه وَأما أَنه هَل يُوجب شَيْئا إِيجَابا شَرْعِيًّا أَو يحرمه تَحْرِيمًا شَرْعِيًّا فَهَذَا شَيْء لَا يعرفهُ الْعقل إِلَّا من جِهَة الشَّرْع وَالْفَرْض أَنه لَا شرع إِذْ من لَازم الْإِيجَاب الإثابة وَالْعِقَاب فعلا أَو تركا وَمن لَازم التَّحْرِيم ذَلِك كَذَلِك فَإِذا قَالُوا وَاجِب عَقْلِي فَلَا يحمل إِلَّا على أَنه حسن عِنْد الْعقل وَالْحسن عِنْده يقْضِي بالحث على فعله والاتصاف بِهِ لِأَن الاتصاف بِمَا يَقْتَضِي حسن الذّكر وَالثنَاء عِنْد الْعباد مَحْمُود عِنْد الْعُقَلَاء قطعا وَهُوَ صفة كَمَال بِلَا ريب والاتصاف بِخِلَافِهِ فَهَذَا معنى الْإِيجَاب عقلا وكل هَذَا مَبْنِيّ على التَّحْقِيق لَا على مَا قَالَه كل فريق من المتنازعين فَإِنَّهَا قد شبت العصبية نَار الْغَضَب حَتَّى لَا ينظر فريق من كَلَام فريق إِلَّا بِعَين الرَّد والإزراء وغلا كل فِيمَا قد مهدت لَهُ شُيُوخ مذْهبه وَلَقَد غلت الْمُعْتَزلَة فِي الْمَسْأَلَة غلوا عجيبا حَتَّى جعلُوا الْوَاجِبَات الشَّرْعِيَّة ألطافا فِي الْوَاجِبَات الْعَقْلِيَّة وَغير ذَلِك وقابلهم فريق الأشعرية فَقَالُوا لَا يدْرك الْعقل حسنا وَلَا قبحا وَلَا حكم لَهُ أصلا وتفرع عَن هَذَا دواهي من نفي الْحِكْمَة وَلَو نظر كل فريق نظر الْإِنْصَاف وقرروا مَحل النزاع لكانوا على طَريقَة وَاحِدَة ومنهاج قويم {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ومؤلف الفواصل رَحمَه الله قد أَشَارَ إِلَى مَا حققناه جملَة وسلك فِي شرح الأبيات وبيانها بِكَلَام الْجُمْهُور هَذَا
وَلما نجز الْكَلَام ببحث أَدِلَّة الْأَحْكَام من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس أَخذنَا فِي أبحاث تتَعَلَّق بِالدَّلِيلِ وبدأنا بالمنطوق مِنْهَا وَالْمَفْهُوم فَقُلْنَا