يُرَاد بالحظر هُنَا الْقبْح الْعقلِيّ أَو صفة النَّقْص فِي مُقَابلَته بقولنَا علمنَا حسنه مَا يدل لذَلِك الْقَائِلُونَ بِأَن الاستظلال تَحت الْأَشْجَار قبح عَقْلِي لَا ينْهض لَهُم دَلِيل إِذْ الْقبْح الْعقلِيّ لَازمه أَو مَعْنَاهُ حسن ذمّ الْعُقَلَاء لَهُ بِمَا فعله وَمَعْلُوم أَن هَذَا الاستظلال من حَيْثُ هُوَ لَا يستحسن عَاقل أَن يذم فَاعله وَلَا يعده صفة نقص وَلَا صفة كَمَال وَأما اسْتِدْلَال من قَالَ إِن الأَصْل الْحَظْر وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الإمامية وَجَمَاعَة غَيرهم بِأَنَّهُ تصرف فِي حق الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه فجوابة أَن الْعقل لَا يقْضِي بقبح هَذَا الاستظلال وَلَا يعده تَصرفا بل يعد من يمْنَع المستظل فَاعل قَبِيح ومرادهم بِالْغَيْر هُوَ الرب تَعَالَى فَإِنَّهُ الْمَالِك للأكوان وَمَا فِيهَا على أَن هَذَا مَبْنِيّ على أَن المعارف ضَرُورِيَّة وَإِلَّا فَقيل مَجِيء الشَّرْع مَا قد عرف الْعقل أَن الأَرْض لله وَأَنه تَعَالَى مَالِكهَا وَمَالك مَا فِيهَا وَمَا أَظن هَذَا الدَّلِيل إِلَّا قَالَه من لم يحرر مَحل النزاع
وَأما الْوَاقِف فَقَوله مُشكل لِأَن الْعقل من حَيْثُ هُوَ لَا يتَوَقَّف فِي وصف شَيْء بِحسن أَو قبح أَو بعدمهما فَإِن حكمه بالأوصاف جبلي فطري والمتوقف إِنَّمَا يتَوَقَّف عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة عِنْده فَهَذَا من قبيل الْمَسْأَلَة الأولى
وَأما القَوْل بِأَنَّهُ مُبَاح وَهُوَ أولى الْأَقْوَال كَمَا عرفت فَإِن الْقَائِلين بِهِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي أصل النّظم قَالُوا إِن مثل ذَلِك حسن عِنْد الْعقل فَمَعْنَاه أَو لَازمه أَنه يستحسن الْعُقَلَاء الثَّنَاء على فَاعله وَالرَّفْع من شَأْنه وَنحن نقُول إِن كَون زيد يستظل تَحت الشَّجَرَة أَو يتمشى فِي الْبَريَّة لَا يستحسن الْعُقَلَاء فعله وَلَا يستقبحونه فَلَا يمدح بِهِ وَلَا يذم فَاعله أَلا يصدق عَلَيْهِ حَقِيقَة الْحسن وَلَا الْقَبِيح فَلَا بُد من تَأْوِيل قَول إِنَّه حسن أَي لَيْسَ بقبيح لَا أَن لَهُ مَاهِيَّة الْحسن وَإِن كَانَ قَوْله كعلمنا بِحسن الْإِنْصَاف لَا يساعد هَذَا التَّأْوِيل إِذْ حسن الْإِنْصَاف يصدق عَلَيْهِ حَقِيقَة الْحسن عقلا وقبح الظُّلم يصدق عَلَيْهِ حَقِيقَة الْقبْح عقلا وهما صفتا كَمَال وَنقص بِلَا ريب فَأَيْنَ التمشي فِي البراري