قد تقرر أَن من الْأَحْكَام مَا لم يدْرك مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ الدَّاعِي والمفضي للْحكم بل قد يكون تعبديا وَالَّذِي فِي كتب الْأُصُول مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا هَذِه وَهُوَ أَنه اخْتلف فِي جَرَيَان الْقيَاس فِي جَمِيع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَالْمُخْتَار نَفْيه لِأَنَّهُ ثَبت فِي الْأَحْكَام مَا لَا يعقل مَعْنَاهُ كفرض الدِّيَة على الْعَاقِلَة وإجراء الْقيَاس فِي مثله تعذر لما عرف من أَن الْقيَاس فرع تعقل الْمَعْنى الْمُعَلل بِهِ الحكم فِي الأَصْل وَهَذَا ذكره ابْن الْحَاجِب والعضد

قلت وَهَذِه الْمَسْأَلَة قَليلَة الجدوى عديمة الْفَائِدَة إِذْ قد علم أَنَّهَا إِن تكاملت شَرَائِط الْقيَاس وَارْتَفَعت موانعه كَانَ دَلِيلا على أَي مَسْأَلَة وَإِلَّا فَلَيْسَ بِدَلِيل لفَوَات شَرَائِطه أَو وجود موانعه

وَالْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَنه هَل يجْرِي الْقيَاس فِي الْحُدُود وَالْكَفَّارَات فَقَالَ الْجُمْهُور يجْرِي فيهمَا وَقَالَت الْحَنَفِيَّة لَا يجْرِي فيهمَا وَاسْتدلَّ الْجُمْهُور بِأَن دَلِيل التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ شَامِل لَهما فَإِذا عقل الْمَعْنى وَجب فِيهِ الحكم بِالْقِيَاسِ كَمَا قيس الْقَتْل بالمثقل على الْقَتْل بالمحدد وَقطع النباش على قطع السَّارِق فالعلة وَالْحكم فيهمَا معلومان وَأما مَا لَا يعلمَانِ فِيهِ فَلَا يجْرِي فِيهِ الْقيَاس وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي جَرَيَانه فِي الْأَسْبَاب أَو لَا وَالْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي المطولات والناظم هُنَا مَا تعرض إِلَّا لما فِي الأَصْل ثمَّ أَشَارَ بقوله

ثُبُوت حكم الأَصْل بِالدَّلِيلِ

كَاف لَدَى الْأَكْثَر لَا الْقَلِيل ... فَإِنَّهُ يشْتَرط الإجماعا

أَو اتِّفَاقًا من يرى النزاعا

إِلَّا أَنه يَكْفِي فِي صِحَة الْقيَاس إِثْبَات حكم الأَصْل الْمَقِيس عَلَيْهِ بِالدَّلِيلِ من نَص أَو إِجْمَاع ثمَّ تثبت الْعلَّة بمسلك من مسالكها الَّتِي تَأتي وَهَذَا رَأْي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015