فعند هؤلاء يُعتبر مُوجِبُ النفقةِ أمرًا عُرفيًّا يتغيّر بتغيّر الأزمنة والأماكن, فهو ليس ثابتًا في معياره.

والحقيقة أنّ في ذلك نظرًا; لأن الناظر للمقاصد الشرعيّة العامة في النكاح يجدُ أن مِن أظهرها السَّكن, ولذا تضافرت النصوص الشَّرعيّة الدَّالةُ على مشروعيّة لزوم المرأة لبيتها وعدم خروجها منه, وأفضلية ذلك لها. ففي القول بأن العمل حقٌّ مشروع للمرأة على إطلاقٍ دون أيِّ تقييد بإذن أو حاجةٍ مخالفةٌ بيّنة للمقاصد الجزئية الشرعيّة التي تضافرت عليها النصوص.

القول الثالث: أن المرأة العاملةَ خارج المنزل بدون إذن زوجها لا تسقطُ نفقتها بالكليّة, وإنما تتشطّر وينقصُ تقديرُها.

وهذا القوّل يمكن تخريجُه على قول فقهاء الحنابلة في مسألة تشطير النفقة; إذ إنهم قد أطلقوا الخروج من المنزل ولم يقيدوه بغرضٍ ما, وقد سبق الاستدلال له.

فهذه الأقوال هي الآراء المعروضة في هذه المسألة نصًّا, وإيماءً, وتخريجًا.

والذي أميل إليه هو القول الثالث بأن المرأة إذا كانت عاملةً خارج منزلها فلها النفقةُ ولو كانت تعمل بدون إذن زوجِها, وأن عدم إذن زوجِها مؤثرٌ في تقدير النفقة لا في إسقاطها بالكُليّة; وهذا الرأي وَسطٌ بين الرأيين الأولين وفيه إعمالٌ للمعنى الموجود في القولين معًا.

- كما أنه هو الأوفق للمقاصد الشّرعيّة; فإن النفقةَ وجبت شرعًا بسبب عقد الزوجيّة في مُقابل التمكين من الزوجة.

فإذا لم يتحقق التمكين التام, وإنما تحقق بعضُهُ فإن المعنى المقابل للنفقةِ ما زال مَوجودًا ولكنه ناقصٌ, فينقص تقدير النفقة في مُقابل نقصه; وهذا هو معنى (تشطير النفقة).

وفي القول بسقوط النفقة بالكُليّة -مع وجود التمكين مِن المرأة واحتباسها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015