ثالثا: منهج الزبيدي في تناول القراءات
المعجميون في الغالب الأعم تتشابه طريقتهم في تناول الآية القرآنية بصفة عامة والقراءة بصفة خاصة، فحينما يضع المعجمي مداخله التي تتخلل المادة ينظر هل استخدم القرآن الكريم هذه المفردة؟ فإن وجدها غالبا ما يبني عليها مدخله، كما فعل الأزهري في مادة (ك ذ ب)، وكما فعل الزبيدي في (ق ن ط) حيث بدأ المادة بذكر الفعل الثلاثي المجرد ثم استشهد عليه بالآية والقراءة، واسترسل في ذلك فقال: " قَنَط: كنَصَرَ وضَرَبَ وحَسِبَ وكَرُمَ - وسَقَطَ في بَعْضِ النُّسَخِ وحَسِبَ - قُنُوطاً بالضَّمِّ مَصْدَرُ الأَوَّل والثّانِي قال ذلِكَ أَبو عَمْرِو ابنُ العَلاءِ، وبِهِمَا قُرِئَ قولُه تعالى: {ومَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّه إِلاَّ الضّالُّونَ} (?). قلتُ: أَمَّا يقنُط كيَنْصُر فَقَرَأَ به الأَعْمَشُ، وأَبو عَمْرٍو والأَشْهَبُ العُقَيْلِيُّ، وعِيسَى بنُ عُمَرَ وعُبَيْدُ بن عُمَيْر، وزَيْدُ بنُ عَلِيٍّ، وطاوُوس فهو قانِطٌ. وفيه لغةٌ أُخْرَى: قَنِطَ كَفَرِحَ وقَرَأَ أَبُو رجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، والأَعْمَشُ، والدُّورِيُّ عن أَبِي عَمْرٍو {مِنْ بَعْدِ مَا قَنِطُوا} (?). بكسرِ النُّونِ وَقَرَأَ الخَلِيلُ {من بَعْدِ ما قَنُطُوا} بضمِّ النُّونِ قَنَطاً مُحَرَّكةً وقَنَاطَةً كسَحَابَةٍ. وقَنَطَ كمَنَعَ وحَسِبُ وهاتَانِ على الجَمْعِ بين اللُّغَتَيْنِ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الأَخْفَشِ أَي: يَئِسَ فهو قَنِطٌ كفَرِحٍ، {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} (?) وقُرِئَ: {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَنِطِينَ} قلتُ: هو قِرَاءَةُ ابنِ وَثّابٍ، والأَعْمَش، وبِشْر بنِ عُبَيْد، وطَلْحَةَ، والحُسَيْنِ عن أَبِي عَمْرٍو" (?).
ولكي تؤتي القراءة ثمارها، وتُفُعَّلُ تَفْعِيلاً يسهم في الصناعة المعجمية لا بد لها من شروط أهمها:
الأول: أن توضع في المادة التي إليها تنتمي.
والثاني: أن توضع في المدخل المناسب داخل هذه المادة، كما فعل الزبيدي في (ق ن ط) السابق.
الثالث: أن يُكْتَفَى من القراءات الواردة في اللفظة بالقراءة المناسبة لمقام الشاهد دون الاستطراد بذكر كل القراءات الواردة فيه.