منه" (?). وفي ترجمة عبد الله بن كثير " كان فصيحاً بليغاً مفوها ... قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو: قرأت على ابن كثير. قال: نعم، ختمت على ابن كثير، بعدما ختمت على مجاهد. وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد" (?).
وكان مما ينتقص به المقرئ أو القارئ قصوره في العربية، كما قال أبو حيان في حسن بن عبد الله التلمساني (ت 685 هـ) " كان بربريا، في لسانه شيء من رطانتهم، وكان مشهورا بالقراءات، عنده نزر يسير جدا من العربية كألفية ابن معط، ومقدمة ابن بابشاذ، يحل ذلك لمن يقرأ عليه" (?). وقد رد الذهبي على أبي حيان قوله فيه، وقال: "إنه كان عارفا بالعربية، بل قوي المعرفة، ويكفيه أن يشرح ألفية ابن معط للناس ... " (?). وكان القصور في علم العربية، مدعاة إلى القصور في علم القراءات، كما قيل في محمد بن منصور (ت700هـ (: "إنه لم يبرع في العربية ... وكان متوسط المعرفة في القراءات" (?). وقال عاصم: "من لم يحسن من العربية إلا وجها لم يحسن شيئا" (?).
وبعد، لعل في هذه النظرة العجلى لجانب من كتب التراجم ما يوضح للقارئ الصلة الوثيقة بين علوم القرآن، وعلوم العربية، وكأنهما توأمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر. والنوعان من العلوم مختلفان. فأولهما غاية، والعلوم الأخرى خدم له، والثاني آلة يتوصل بها إلى فهم النوع الأول، وخدمته وإتقانه. ولا أغالي إذا قلت: إن علوم العربية على اختلاف أنواعها، إنما وجدت لخدمة القرآن وعلومه، ولعل المسلمين لم يُعنوا بالعربية وآدابها ولم يخدموها إلا لأنها الأصل الخادم للقرآن وعلومه، من قراءة، ورسم، وإعراب وبلاغة، وإعجاز، ومعنى وتفسير (?).