قال الزمخشري: "وعن ابن عباس أنه قرأ مشدَّداً، وقال: لم يَنْزِلْ في يومين ولا في ثلاثةٍ، بل كان بين أولِه وآخره عشرون سنةً، يعني أنَّ "فَرَقَ" بالتخفيف يدلُّ على فصلٍ متقاربٍ" (?) " (?).
وفي ذات المعنى استشهد الزبيدي بقوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البَحْرَ} (?) مخففا، وقراءة الزُّهْرِيِّ والأخفش: "فَرَّقْنَا" (?) مشدًا، مبالغة في الفَرْقِ. وهذه المبالغة وضح الزمخشري مناسبتها للمقام فيقول "فَرَقْنَا" فصلنا بين بعضه وبعض، حتى صارت فيه مسالك لكم. وقرئ: "فَرَّقْنَا"، بمعنى فصلنا. يقال: فَرَقَ بين الشيئين، وفَرَّقَ بين الأشياء؛ لأن المسالك كانت اثني عشر على عدد الأسباط" (?).
وقرر ابن عاشور المعنى السابق ولكنه يضيف أن فَرَّقَ بالتشديد فيه علاج ومحاولة فيقول: "و"فَرَقْنَا" و"فَرَّقْنَا" بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد، إذ التشديد يفيده تعدية، ومعناه الفصل بين أجزاء شيء متصل الأجزاء، غير أن (فَرَّقَ) يدل على شدة التفرقة، وذلك إذا كانت الأجزاء المفرقة أشد اتصالاً، وقد قيل إن (فَرَّقَ) للأجسام، و (فَرَقَ) للمعاني، نقله القرافي عن بعض مشايخه، وهو غير تام ... فالوجه أن فَرَّقَ بالتشديد لما فيه علاج ومحاولة، وأن المخفف والمشدد كليهما حقيقة في فصل الأجسام، وأما في فصل المعاني الملتبسة فمجاز. وقد اتفقت القراءات المتواترة العشر على قراءة (فَرَقْنَا) بالتخفيف، والتخفيف منظور فيه إلى عظيم قدرة الله تعالى، فكان ذلك الفرق الشديد خفيفاً " (?).
ويذكر الزبيدي أيضا - أثناء تناوله لمعنى التفريق - قوله تعالى: {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعَاً} (?) من التفريق، أي جعلوه أَبْعَاضَاً وخَالَفُوا بين هذه الأَبْعَاضِ، وقرئ "فَرَقُوا" مخففا (?)، من الفَرْقِ، أي: مازوه عن سائر الأديان.