وصلوا غار يعقوب، فذهب الجند إلى الشيخ، وسأله رئيسهم عن وجهته.

141 - وكان الشيخ قد فكر في أي البلاد تجد الدعوة مأمنا، ومنبتا طيبا، فوقع طائر فكره على الدرعية، لأنه كان له بها تلاميذ ومحبون، أظهرهم محمد بن سويلم العريني، فقال الشيخ لهم: أريد الدرعية، فقالوا له: سر إليها، فخرج من العيينة كسيرا حزينا، خاشع البصر، يكاد ينوء بما أصابه في مخرجه هذا من أرزاء وبلاء.

142 - ولعله ذكر حينئذ مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف حين طرده أهلها، وقد جاء يدعوهم إلى الفلاح والسعادة، وعزَّ الدنيا والآخرة، فأبى عليهم شيطانهم هذه النعمة المساقة إليهم، وأغروا به سفهاءهم يشتمونه بمقذع القول، ويرمونه بالحجارة، وهو يقول: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي، وهوَاني على الناس، يا أرحم الراحمين".

143 - خرج الشيخ ذلك المخرج من العيينة يسير على رجليه، ووراءه أولئك الجند القساة يسوقونه أمامهم، ويرهقونه بخيلهم، ويتربصون به المكان الذي تواعدوا عنده على قتله، كأمر سيدهم ابن معمر، ولكن الله غالب على أمره، ولا حول ولا قوة إ، لا بالله العلى العظيم.

144 - سار الشيخ في يوم قائظ تحت وهج الشمس المحرق، وليس معه إلا مروحته، والفرسان من ورائه يجهدونه متعجلين، والشيخ لا يلتفت إليهم لأنه في شبه غيبوبة من تأثره، وكلما استحكمت الشدة، وألحت الكوارث كلما ألجأ ذلك المؤمنين إلى ربهم، فصدقوا قلوبهم معه، ووثَّقوا توكلهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015