في إقرائه القرآن الكريم وتعليمه القراءة والكتابة، فرأى الوالد من ولده ما أدهشه من سرعة حفظه، وحدة ذهنه وتوقد ذكائه، فأتم حفظ القرآن قبل بلوغه السنة العاشرة، وجلس في مجلس والده يتلقى علوم التفسير والفقه والحديث، فبزَّ تلاميذ والده الذين كانوا أكبر منه سناً وأسبقَ منه إلى الطلب، وكان فوق ما يتلقى على والده من الدروس يقرأ وحده فيما كانت تصل إليه يده من كتب العلم والدين، وقد جعل الله تعالى له من قوة ذكائه وحدَّة ذهنه عوناً كبيرا على تدبر القرآن الكريم، حين كان يقرؤه مجرداً عن التفسير ويتلوه للذكر والموعظة.
73 - ففتح الله عليه من ذلك باباً في فقه كتابه عرف منه مقاصد القرآن الكريم، وغايته التي يرمي إليها من معرفة الله وإجلاله وإكباره وإخلاص الدين كله له وحده لا شريك له، وشرح الله صدره بمعرفة مبادئ التوحيد الصحيح ومعرفة نواقضه، وأخذ يقايس بين ما يراه في آيات القرآن من الدين والإيمان، وبين ما يرى عليه الناس من تعظيم القبور والأحجار والأشجار والتبرك بها والطواف حولها والنذر لها والاعتقادات السخيفة في المقبورين من الصالحين وغير الصالحين، ودعائهم في الشدائد، والاستشفاء بهم من الأمراض، وطلب كشف الكربات، وتفريج الضائقات، والحلف بهم أوثق الايمان، والاستعاذة بالجن، والذبح لهم، وصنع الطعام وجعله في زوايا الدور المظلمة والخربات بقصد شفاء المرضى، وجلب النفع ودفع الضر، وتعليق التمائم والتعاويذ والحجب والفتنة بالسحر لجذب قلوب المحبين وصرفها، وغير ذلك من الطلاسم