أوقع الله الرعب في قلوبهم فولوا الأدبار، ثم أعادت الكرة فكان نصيب هذه الحملة كالأولى، وهكذا دَحر جيش الموحدين جيش العثمانيين في مواقع عدة، حتى انتهى الأمر بهم إلى دخول الحجاز آمنين، محلقين رؤوسهم ومقصرين لا يخافون، وأزالوا ما كان به من آثار، وهدموا ما كان على قبور آل البيت وغيرهم في مقبرة المعلاة من قباب، وأبطلوا ما كان في مكة من شرور ومظالم، فكان دخولهم الحجاز أكبر صاعقة على رؤوس عباد القبور، ودعاة الموتى، وأئمة البدعة والمتأكلين بهذه الآثار، فضاعفوا جهودهم في الكيد للموحدين، ورأت الدولة العثمانية من ناحيتها أن ذلك قضاء تام على سلطانها ونفوذها، وأن هؤلاء النجديين الموحدين لا يقفون عند هذا الحد؛ فإنهم لا يزالون يرسلون بعض السرايا لأطراف الشام؛ ويبعثون بالكتب والرسائل إلى ولاة الشام والعراق وزعمائها وعلمائها يدعونهم فيها إلى تحقيق كلمة الإخلاص، وتحقيق أتباع الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم علما وعملا؛ وأن هذه الدعاية التي يقومون بها معقولة مقبولة؛ وأنها لا بد واجدة من كثير من الناس تحبيذاً لها، وإقبالا على اعتناق ما تدعوا إليه من عقائد وأعمال؛ وهاهم قد وضعوا أيديهم على الحرمين الشريفين قبلة العالم الإسلامي، ومحط آماله، ومجتمع وفوده كل عام لأداء مناسك الحج، فهما كمنبر عام يتلقى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ما يلقى من فوقه بالقبول الحسن؛ وينظرون إليه بعين الإجلال والاحترام، بل هما بمثابة مفتاح لقلوب المسلمين؛ من أمسك به فقد أخذ بمجامع هذه القلوب، وتمكنت فيها هيبته والطاعة له والانضواء تحت رايته حقيقة أو تقليداً.