اختلف العلماء في بعض المسائل التي تتعلق بالمنطوق، وإن كانوا قد اتفقوا في ذلك إجمالاً، ومن تلك المسائل التي اختلفوا فيها: عموم المقتضى، ففي دلالة الاقتضاء -التي هي من دلالات المنطوق غير الصريح- قد يقتضي اللفظ واحداً أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة، كأن يقال مثلاً: قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23] فالمنطوق الصريح: حرمة الأمهات، ولا يفيد معنىً صحيحاً عقلاً وشرعاً، فعلم أن اللفظ يقتضي شيئا قد قدر: وهو الزواج، فالتقدير: حرم عليكم وطء الأمهات، فمعنى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} أي: وطؤهن، ونلحظ في هذه الآية: أن المقتضي اقتضى شيئاً واحداً وهو الزواج، غير أن هناك أدلة تقتضي أكثر من مقتضٍ واحد، كقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} [البقرة:173] فاللفظ يقتضي أكثر من حالة، فهو يقتضي: الأكل أو الاستعمال أو الانتفاع بها أو البيع أو الشراء, وهنا يسأل هل يؤخذ بعموم هذا أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول -هو قول الجمهور-: أنه يجب العمل بعموم المقتضي، فإذا قال الله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} فقد حرم الأكل والانتفاع بالبيع والشراء أو غيره، إلا ما دل الدليل على تخصيصه كالانتفاع بالإهاب بعد دبعه.
القول الثاني -وهو قول الأحناف-: وهو أن المسألة خاصة في الأكل فقط، وعموم المقتضي لا يقولون به.
وإذا قالوا بغيره فيقولونه بدليل.