هذا وصفه. بقي أن يقال: فلعله يدعو ولا يأخذ أجرة، ولكنه ليس على الحق.

فدفع هذا الاحتراز بقوله: (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه، ولا ينهون إلا عما يشهد العقل الصحيح بحسنه، ولا ينهون إلا عما يشهد العقل الصحيح بقبحه. فكأن قومه لم يقبلوا نصحه، بل عادوا لائمين له، على اتباع الرسل، وإخلاص الدين لله وحده فقال: (وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). أي: وما المانع لي، من عبادة من هو المستحق للعبادة، لأنه الذي فطرني، وخلقني، ورزقني، وإليه مآل جميع الخلق، فيجازيهم بأعمالهم. فالذي بيده الخلق والرزق، والحكم بين العباد، في الدنيا والآخرة، هو الذي يستحق أن يعبد، ويثنى عليه ويمجّد، دون من لا يملك نفعاً ولا ضراً، ولا عطاء ولا منعا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشوراً" (?). أ. هـ.

وقال الإمام الشنقيطي: "قوله (فَطَرَنِي) معناه: خلقني وابتدعني، كما تقدم إيضاحه في أول سورة فاطر. والمعنى: أي شيء ثبت لي يمنعني من أن أعبد الذي خلقني، وابتدعني، وأبرزني من العدم إلى الوجود، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الذي يخلق هو وحده هو الذي يستحق أن يعبد وحده، جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله" (?) أ. هـ.

وبذلك جلت حجة الموحدين، وعلت رايتهم على رؤوس الأشهاد، ودحض برهانهم كافة الافتراءات والأباطيل التي أسس المشركون بنيانهم عليها.

فكل من كان مفطوراً مخلوقاً، فحقيق به أن يعبد فاطره وخالقه ويتفرغ لعبادته. فتلك بينة الفطر السليمة التي فطر الله عباده عليها وصبغهم بها.

الشرك تنقص بالخالق ويستحيل جوازه في الفطر والعقول:

قال ابن القيم: "وقال تعالى: عن خليله إبراهيم أنه قال لقومه: (مَاذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015