مقدور لا ينزهونه عن فعل شيء، ويقولون: إنه يفعل بلا سبب ولا حكمة، وهو الخالق لجميع الحوادث، لم يفرقوا بين ما تأتي به الملائكة، ولا ما تأتي به الشياطين، بل الجميع يضيفونه إلى الله على حد واحد، ليس في ذلك حسن ولا قبيح عندهم، حتى يأتي الرسول. فقبل ثبوت الرسالة لا يميزون بين شيء من الخير والشر، والحسن والقبيح.

فلهذا لم يفرقوا بين: آيات الأنبياء وخوارق السحرة والكهان، بل قالوا: ما يأتي به السحرة والكهان يجوز أن يكون من آيات الأنبياء، وما يأتي به الأنبياء يجوز أن يظهر على أيدي السحرة والكهان. لكن إن دل على انتفاء ذلك نص أو إجماع نفوه مع أنه جائز عندهم أن يفعله الله، لكن بالخبر علموا أنه لم يفعله" (?) أ. هـ.

والكلام في النبوة ودلائلها فرع على إثبات حكمة الرب وتنزيهه عن السوء والسفه؛ والنفاة لا يملكون فرقاناً بين موجب الحكمة، وبين ضدها ونقيضها لاستواء الأفعال ونفي المرجحات مع قبول الفطر والعقول لكافة المقدورات في زعمهم.

لذلك فهم لا ينزهون الله عن فعل مقدور إلا المحال لذاته الذي ليس فيه مدحة ولا تنزيه في نفيه.

وأما أهل السنة فنزهوا معبودهم عن كل سوء ظلم، وعن كل نقيض لحكمته ومستندهم في ذلك موجب فطرهم وعقولهم. وبذلك تحررت لديهم: دلائل النبوة وأعلام الرسالة؛ واستحال تحريرها على أيدي النفاة لأصولهم الخاوية على عروشها.

قال ابن تيمية: "وبيان ذلك أن يقال: ما خلقه على يد الصادق هو قادر على أن يخلقه على يد الكاذب أم لا؟ فإن قلت: (?) ليس بقادر فقد أثبت عجزه، وإن قلت: هو قادر على ذلك، فالمقدور عندك لا ينزه عن شيء منه، وإن قلت: هذا المقدور أنزهه عنه لئلا يلزم عجزه، كان حقيقة قولك: أثبت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015