كافة العقلاء أو أكثرهم، ولا تجده ما دام الحق حقاً والباطل باطلاً، بل العقل الصريح يدفع المعقول المعارض للسمع الصحيح ويشهد ببطلانه" (?) أ. هـ.
موافقة صحيح المعقول لصريح المنقول:
لا جرم أن العقل الصحيح موافق للنقل الصريح، وأن من خالف صريح المعقول لم تقم له حجة عقلية ولا سمعية لتطابقهما وتصادقهما وخروجهما من مشكاة واحدة؛ ومن ثم كان العقل شاهداً للنقل، ومحامياً دونه، وبرهاناً على صدقه، وآية من آيات طمأنينة الصدور والقلوب به.
قال ابن القيم في معرض التصدي للذين يزعمون وقوع التعارض بين النقل والعقل: "إن تجويز معارضة العقل للوحي يوجب وصف الوحي بضد ما وصفه الله به؛ فإن الله سبحانه وصفه بكونه هدى في غير موضع، وأخبر أنه يهدي للتي هي أقوم الطرق: وهي أقربها إلى الحق. فإن الطريق المستقيم هو أقرب خط موصل بين نقطتين، وكلما تعوج بعد.
وأخبر سبحانه أنه شفاء لما في الصدور، وهذا يتضمن أنه يشفي ما فيها من الجهل والشك والحيرة والريب، كما أن الهدى يتضمن أنه موصل إلى المقصود. فالهدى يوصلها إلى الحق المقصود من أقرب الطرق، والشفاء يزيل عنها أمراضها المانعة لها من معرفة الحق وطلبه، فهذا [يزيل] الجهل المقتضي، وهذا يزيل المانع، ومن المحال أن تكون هذه صفة كلام مخالف للعقل ومعارض له.
وكذلك أخبر أنه نور كما قال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (?).
وقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) (?).