ولست أعني بالأدلة العقلية: منطق اليونان، أو قوانين الفلاسفة، أو سراب حجج المتكلمين والمتهوكين ...
بل الميزان العقلي الصحيح العادل - لا العائل - الذي منّ الله به على الإنسان، والذي به سما على كافة المخلوقات، وعلا في أحسن تقويم، والذي بفقده يرد صاحبه إلى أسفل سافلين.
علة تكريم الإنسان بالعقل:
لقد منّ المنان الكريم على الإنسان الضعيف بنعمة العقل؛ ليدرك به الآثار الربانية والمطالب الإلهية، ومن ثم جعل حجة مستقلة عليه في بطلان الشرك، وكذا جعل مستنداً من مستندات السمع، وبهما قامت حجة الله على خلقه.
قال ابن القيم: "فإن الله سبحانه ركب العقول في عباده ليعرفوا بها: صدقه وصدق رسله، ويعرفوه بها، ويعرفوا: كماله وصفاته، وعظمته وجلاله، وربوبيته وتوحيده، وأنه الإله الحق وما سواه باطل. فهذا هو الذي أعطاهم العقل لأجله بالذات والقصد الأول، وهداهم به إلى مصالح معاشهم التي تكون عوناً لهم على ما خلقوا لأجله، وأعطوا العقول له، فأعظم ثمرة العقل: معرفته لخالقه وفاطره، ومعرفة صفات كماله، ونعوت جلاله وأفعاله، وصدق رسله والخضوع والذل والتعبد له" (?) أ. هـ.
وقال رحمه الله: "إن السمع حجة الله على خلقه، وكذلك العقل، فهو سبحانه أقام عليهم حجته بما ركب فيهم من العقل، وبما أنزل إليهم من السمع. والعقل الصريح لا يتناقض في نفسه، كما أن السمع الصحيح لا يتناقض في نفسه، وكذلك العقل مع السمع، فحجج الله وبيناته لا تتناقض ولا تتعارض، ولكن تتوافق وتتعاضد، وأنت لا تجد سمعاً صحيحاً عارضه معقول مقبول عند