المحتمل قبل تأخيره أن تنكره قلوب بعض الناس. فلم يُلتفت إلى ذلك.
المعارضة الثالثة:
قد يقال: استقرّ المقامُ في هذا الموضع قرابة أربعة عشر قرنًا, ولا شكّ أنّ الحجاج كثروا في بعض السنين، وازدحموا في المطاف، ولم يخطر ببالِ أحدٍ تأخيرُ المقام. وفي ذلك دلالة واضحة على اختصاصه بموضعه الذي استمرّ فيه، إن لم يكن على وجه الوجوب فعلى وجه الاستحباب؛ لأنّ تأخيره لو كان جائزًا لما غفل عنه الناس طول هذه المدة، مع وجود الكثرة والزحام في كثير من الأعوام.
أقول: قد تقدّم بيان العلة التي اقتضت تأخير الصحابة رضي الله عنهم للمقام من موضعه الأصليّ، وهي أنّ الطائفين والمصلّين خلف المقام كثروا في عهدهم، وكان ينتظر أن يستمرَّ ذلك ويزدادوا في مستقبلهم إلى ما شاء الله، ورأوا أنّ بقاء المقام بجنب البيت يؤدي - مع تلك الكثرة - إلى دخول الخلل والحرج على الفريقين والعبادتين، ويستمرّ ذلك إلى ما شاء الله، وذلك مخالفٌ للتهيئة المأمور بها.
وأرى هذه العلة متحقّقةً الآن على وجه لم يتحقق منذ تأخير الصحابة رضي الله عنهم للمقام إلى هذا العهد الأغرّ.
ويمكن استثبات هذا بسؤال الخبراء بالتاريخ.
فإذا ثبت هذا؛ فإعراضُ مَن بيننا وبين الصحابة عن تأخير المقام مرّة ثانية محمولٌ على أنّه لعدم تحقّق العلة.
وكما أنّ إعراض النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تأخير المقام لمّا تبين أنّه لعدم تحقّق